شيء من الطفولة..

كان بيتنا قلعة تحيط به مساحة خضراء أمامية ترفض مخيلتي نسيانها.. كنا نجتمع في حب ووئام..كأسرة تحيا حياة طبيعية ،بسيطة يفمرها الحب..كم افتقدها و كم اشتاقها كثيرا..في وسط تلك المساحة الخضراء امام بيتنا كان يجلس والدي رحمه الله ليخيط ثياب الزبائن و كانت والدتي حفظها الله من تساعده في مسك الخيوط و تعديلها.. ذلك المشهد لا يروح من مخيلتي فلو امتلكت موهبة الإخراج لأنجزته بكل حب و تفان..كي اشبع رغبتي في استعادة ولو القليل من الماضي الذي يسكنني.. في الجانب الاخر كان هناك ساقية ضيقة يتراقص فوقها البط..وأشجار خضراء كثيفة كنا نمرح تحتها و نتسلق أغصانها حتي وان رفضت طيورها ذلك كنا لا نمل..خلف بيتنا القديم البسيط كان لنا جارة عجوز و زوجها..حنونة..اعتاد اهل منطقتنا التسوق كل يوم سبت..وكان كل مساء سبت بمثابة عيد لنا نحن الأطفال في المساء تجهز لنا العجوز طاجين لذيذ يالخضراوات الطبيعية و اللحم و الخبز المصنوع في البيت..  (كان كل شيء طبيعي..ولذيذ لم تكن غزت حقولنا الصغيرة الكيماويات)..كانت تردد مقولتها لنا عند تناولنا العشاء فتقول..(اتش أ كورانو) -بمعني كلي يا عزيزتي- كان بيتها أجمل من بيتنا..به الوان باهية..مبهرة لطفلة حالمة ..فبيتنا لم يكن به الوان كما بيتها..لا اتذكر بحكم صفر سني انذاك ان كان لها أولاد..ربما كبروا  فتغربوا بعيدا حيث لم يتسن لي مقابلتهم يوما..ولكن اذكر انها كانت وحيدة و زوجها..ينعمان بالحياة السعيدة مع بعضهما..بعد ان وصلا الي عمر متقدم..

اسفل قلعتنا بقليل كان يجري واد ليس بعميق.. كان ذلك الواد يروقني كثيرا لأني كنت و لا زلت من خلاله أري الحجارة الصغيرة تتلألأ تحت المياة..كالجواهر..ويالها من صورة يتركها ذلك المنظر في مخيلتي! (حتي الان..ان اردت ان تسعدني خذني بجانب واد غير عميق اري من خلاله الحياة..). كنا نعوم فيه مع أصدقائنا..وكانت دودة العليقة_ كما نسميها آنذاك_ تلتصق بأجسادنا فترفض التنحي الا بشق الانفس ..كنا نخافها و لكن متعتنا و حبنا للعوم كان اكبر من خوفنا من العليقة... فكنا نلهو بلا مبالاة .. كنت صغيرة تائهة فرحة ..أتعلمون معني ان تكون صغيرا يا رفاق!!ان تكون ملاكا لا تحتويك الاحزان ولا المشاكل..ان تكون صغيرا يعني ان تكون مجردا من الماسي التي تصنعها بنا الحياة..تلك صورا من ذاكرتي انقلها اليكم كما ارفض ان اعود الي وطني و اجدها اطلالا بنيت فوقها العمارات و شقت جوانبها الطرقات...ارفض ..فذلك اعتبره سرقة لذكري عزيزة علي قلبي.. لكن ما يواسيني انني لا زلت اخزنها كما هي حتي و ان تغيرت المعالم فهي لا تزال معي.