مع تنوّع الثقافات للقرّاء، واهتماماتهم، وميولاتهم وذائقتهم الفنية والأدبية، وتأويلاتهم، فصار من المستحيل إرضاء كل القراء، وضربا من الخبل توقع كل ردود أفعالهم، ناهيكَ طبعاً أن تُلمّ بكل قصديّاتهم وأهدافهم، فمنهم من يرى الرواية العربية على أنّها للإمتاع فقط ومنهم للإقناع ومنهم من زاوج بين الإثنين وآخرون كثيرون تعدّوا ذلك إلى أن اعتبروها أداةً لإنقاذ أخلاقي فكري في المجتمع! كيف تكون الرواية أداةً بهذه الأهمية؟ هذا السؤال الذي يزعجني دائماً وللكثير من الأسباب

أوّلاً: ألا يحق لأيّ مسيرة تطوير ونهضة سواء مشابهة لتلك التي حصلت في أوروبا في منتصف القرن السادس عشر وتحديداً في إيطاليا، الذي يعرفه الجميع باسم التنوير الإيطالي، أو لما يحدث في الخليج العربي والعالم الأن أن يحدث بدايةً من العقل لا من القلب والعواطف؟ الرواية ملعب للضمير والوجدان والعاطفة، هذا ما يعرفه الجميع منّا، إذاً لماذا يعوّل الكثيرون على أنّ الرواية بذاتها ستكون المطرح الأوّل لرفع السويّة الأخلاقية والفكرية؟

لماذا لا نراهن قبل ذلك على العلم أو على القانون على الأقل؟ هل يمكن للأبجدية، للرواية العربية أن تتحمل ثِقَل هذا الدور؟ عن نفسي أقول مستحيل! إذا كنا نعلم أن الرواية تقترح نماذج من السلوك، وتساهم في تكوين وعي القارئ، وتشكل أسلوب إدراكه لذاته وللواقع حوله وللوجود برمته، فهل يفترض أن نحصر موضوعاتها في هذه القضايا؟ ألا نُلغي الفن الروائي بتقويض دوره بهذه الطريقة؟ ما الفن إذا كان مُقيّداً؟ وما الفن إذا كان أداةً مفهومة في أيدي الكُتّاب؟ أو الذين يركّبون الحكايات التي تنفع فقط، لا تلك التي تُمتِع أو تتجاوز ذلك إلى ما هو مدهش حقّاً؟.

للصراحة أسوء ما تتعرض له الرواية العربية مؤخّراً هو نشوء نوع كامل جديد على الإنسانيّة بعنوان: الرواية الأخلاقية، هذا لم تعرفه الشعوب قبل هذا اليوم ولن تعرفه نهائياً في الأيّام المقبلة، قال لي مرّة أستاذي في الكتابة أمراً أحب أن أختم به: إذا أردت أن تعرف علّة أيّ منطقة، عليك أن تنظر وتقرأ ما تُنتج من مثاليات وتنظير، وهذا فعلاً الحاصل إن ألقينا نظرة على حالنا، كُل تلك السياقات الأخلاقية التي نُنتج يبدو أنّها تدلُّ على مُشكلة حقيقية واضحة صارت للجميع في السياق نفسه.