رواية باتشينكو: التاريخ خذلنا، ولكن لا يهم.... هل خذلك التاريخ أم الماضي

أري أن التاريخ للدولة غير الماضى الشخصى لنا فكل له قطاره الخاص ولكن هناك محطات تتوقف القطارات بجانب بعضها وتؤثر على بعضها البعض .

وأعتقد أن للتاريخ تأثير كبير على ماضي الأفراد وبالتالى مستقبل فبقدر ما تكون فى التاريخ من أحداث جيدة أم سيئة بقدر ما تكون لها تأثير على الماضي وكذلك المستقبل .

لذلك هناك نقاط تماس جوهرية ومهمة تؤثر في ماضينا ومستقبلنا كأفراد .

أنا شخصيا من مؤيدي مبدأ العيش باللحظة وتجاهل الماضي والمستقبل، ولكن لدي أيضا قناعة بفكرة أن من لا يتعلم من ماضيه، سيكرره لا محالة. فسواء على صعيد دولة أو صعيد فرد، كل من ينهض ويتقدم، هو ينهض ويتقدم لأنه تعلم من الأحداث الماضية، فالأحداث المؤلمة دروس تستمر بالتكرار حتى نتعلم منها. ولكن مسألة الماضي والتاريخ لا يجب أن تشغلنا أو تشكل نوع من الخذلان أبدا، فعلينا فقط تعلم الدروس ومن ثم دفن ذلك الماضي، ولهذا السبب، وعلى الرغم من أي حدث ماضي قاسي، لا أشعر بأي خذلان، بل على العكس، قساوة الماضي تجعل المستقبل أفضل إن فهمناها حقا. وعلى الرغم من انتمائنا وحبنا لوطننا، إلا أن تاريخ الوطن، بحسناته وسيئاته لا يمثلنا، ونحن أبناء هذا العالم قبل أن نكون أبناء وطننا، وذلك التاريخ أصلا لم نساهم في صناعته حتى، فلماذا نشعر بالعار والخذلان بسببه.

ابدأ ملاحظتي اولا بالاعتراض التام على هذا التقسم التعسفي بين التاريخ والماضي، لان الماضي هو جزء أساسي من التاريخ وليس منفصل عنه بأي حال من الاحوال، والاكثر من ذلك أني اعترض على الاهتمام بالتقسم السائد للزمن والتاريخ ب ماض وحاضر ومستقبل، لان الزمن كما يقول هايدغر هو وحدة واحدة لا تتجزء إلا من وجه نظر عمودية، لكن اذا نظرنا للتاريخ بشكل شامل سنجدة كله لحظة واحدة .

الآن أخبروني كيف تنظرون للقضية أيهما أهم بالنسبة لنا -كبشر- تاريخنا أم ماضينا على المستوى الشخصي، وأيهما خذلك أكثر ماضيك أم تاريخك؟

ادا كان عليا الاجابة عن السؤال بطريقة ما فسأغيره اولا بما يتناسب مع المفهوم الذي تقدم، فاسمحيلي بأن أقول: إذا كان عليك الاختيار بين الماضي والمستقبل ايهما تأخذ وعلى من تتكئ؟

في هده الحالة سوف أجيب بأن المستقبل هو أساس الماضي وعو من علينا لومه وليس الماضي، لأن الماضي ذهبوانتهى، لكن المستقبل مازال يكتب، ما يمكن تغييؤه فعلا ولومه هو المستثبل وليس الماضي، المستثبل في الحقيقة هو دائما من يخدلنا ، نحن الان في المستقبل بالنسبة للدولة الاموية والعباسية والعثمانية، مادا نفعل الان لحماية ما بناه الاسلاف في الماضي، مع أن جزء من ماضينا كان مشرقا ومشعا، لكن رغم ذلك مستقبله خذله.

عندما ننظر لتاريخ أي دولة نلاحظ انه مليء بالمخاطر والنكسات والآلام والحروب والمعاناة، لا أعتقد أن أي دولة أو حضارة وجِّدت لم تعاني في حياتها للوصول فيما هي عليه، فهذا ما كون تاريخها وإن لم تعش ما عاشته في الماضي لن تكون كما هي الآن.

 أيهما أهم بالنسبة لنا -كبشر- تاريخنا أم ماضينا على المستوى الشخصي،

على المستوى الشخصي أرى ان ماضي الإنسان هو الأهم لأنه صنعه بنفسه أما التاريخ فليس له دخل بما حدث أبدًا، ماضي الإنسان يكون شخصيته الأساسية يبنيه من الصفر.

وأيهما خذلك أكثر ماضيك أم تاريخك؟

بالنسبة لي لم يخذلني تاريخ فلسطين بل يشرفني جدًا، لكن بنفس الوقت كوني من فلسطين أعاني بكثير من الأمور، بعيدًا عن الوضع العام لكن كثير من الفرص والأعمال تفوتني بسبب كوني منها، إضافة إلى السفر وعذابه لحامل الجواز الفلسطيني.

الآن أخبروني كيف تنظرون للقضية أيهما أهم بالنسبة لنا -كبشر- تاريخنا أم ماضينا على المستوى الشخصي، وأيهما خذلك أكثر ماضيك أم تاريخك؟

يعتمد الأمر برمّته على قدرتنا على الاستيعاب والتعلّم. وفي هذا السياق، تترامى إلى ذهني مقولة خالد لواحد من أكبر الأدباء في التاريخ، وهو الأديب الألماني غوته، حيث قال:

الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة، يبقي في العتمة.

هذا هو التناول الأنسب بالنسبة إليّ، حيث أرى أن الفكرة تتمثّل في قدرتنا على الاستيعاب، سواء كان الأمر متعلّقًا بماضينا كأفراد، أو بتاريخنا كجماعات. يحدّد قبولنا لهذا الماضي قدرتنا على تخطّي تجاربه والتعلّم منها، أو التوحّد معها والانهيار في داخلها.

التاريخ يظلم الأفراد في حال انتموا لفصائل تعرضت للقمع في زمن ما، أو النبذ ربما، أو حتى ارتكبوا جرائم شنيعة في زمن ما، فلاحقت الأحفاد بلا فكاك. كما يحصل مع المسلمين على سبيل المثال في الدول الأجنبية يدفعون ثمن أفعال أشخاص ينتمون للإسلام بشكل أو بآخر. حتى وأن أقروا بأنهم لا يوافقون على أفعال هؤلاء الأشرار.

أما وإن كنت شخص عادي بلا أي انتمائات دينية، سياسية، عقدية، عشائرية ... الخ فأنت بالطبع ستكون مظلومًا من ماضيك لا أكثر، وهو حالي صراحة، فأنا أدفع ثمن ماضي لم اختره، وثمن أفعال ترتبت على ذاك الماضي من خلالي في وقت كانت خبرتي فيه لا تتخطى الصفر بحال من الأحوال، أدفع الثمن رغم كوني امرأة بالغة الآن فهمت أنه لا يبرر سوء ماضينا ارتكاب أخطاء جسيمة أو حتى صغيرة، فهمت وفعلت بما فهمته ولكن لم يكن هذا أمر أستحق أن أعتق لأجله.