لطالما تساءلت عن السبب الذي يجعل الإنسان يلجأ للوحدة، لماذا في ظل وجود هذا القدر الكبير من المتع والأشخاص يلجأ أحدهم للوحدة مضحياً بسعادة دنياه؟!، في الحقيقة كنت احتار كثيراً وأنا بصدد الإجابة عن هذا التساؤل، خاصة إن كان الإنسان سوياً نفسياً وناضجاً، ولأنني الجأ إلى العزلة من وقت لآخر، فإن السبب الوحيد الذي كان يدفعني إلى تفضيل غرفتي على الناس وكل المتع التي بالخارج، هو أنني لا أشعر أنني (أنا) وأنا معهم، أشعر أنني مكبل بردات فعل معينة ومضطر لمواكبة الجو والتخلي جزئياً عن طبيعتي فكنت انقطع عن بعض الحفلات والزيارات..ولكن ما الذي سيحدث لو استمريت على فعل ما لا يناسب شخصيتي وطبيعتي؟!

في كتابه (كافكا على الشاطئ) يجيب هاروكي موراكامي متذمراً:

"يولد الناس ليعيشوا، صح؟ ولكن كلما عشت أطول، فقدت ما في داخلي أكثر فأكثر - وصرت خاوياً، وأراهن أنني إذا عشت أطول، فسأصير أكثر خواء وتفاهة، هناك خطأ ما في ذلك، لا يصح أن تؤول الحياة إلى هذا! أليس من الممكن أن أحوَّل الاتجاه، الاتجاه الذي وُضِعَ لي؟."

سمعت ناقداً أدبي شهير يقول مادحاً أحد أصحاب دور النشر :

"أنا قليل الظهور وقليل التواصل ولا أحب التجمعات وانتقي الندوات التي احضرها بعناية، ولكنني أكون حريصاً على حضور الندوات التي ينظمها مدير هذه الدار، نحن لا نتواصل كثيراً، ولكنه من نوعية الناس التي تترك لك كامل الحرية لتكون نفسك..على طبيعتك تماماً، وبالرغم من أننا لا نتواصل إلا بمعدل اربع مكالمات سنويا ٱلا أنني أجده من أقرب الناس إلي"

ففي نظري إن الإنسان يلجأ إلى الوحدة ليحمي نفسه من المؤثرات، خاصة أن تلك المؤثرات تجرحه لأنها وببساطة تدفعه لعمل أشياء لا تتناسب معه وإن ضمن أنه لن ينتقده أحد أو يُنظِّر عليه آخر فإنه لن يفعلها. ولكن إذا تجاهل الإنسان تفضيلاته هو وظل يتفاعل مع الناس بما يريدون هم لا بما يريد فإن طبيعته ستتغير بمرور الوقت، وسبتحقق ما قاله موراكامي (كلما عشت أطول فقدت ما في داخلي أكثر فأكثر)

والآن صديقي القارئ ، ماذا لو عاش الإنسان متجاهلاً لطبيعته وظل يفعل ما لا يناسبه, هل تظن أن طبيعته ستتغير ؟ أم أنك تختلف مع موراكامي في هذه النقطة؟