من المؤكد أنه مر على مسمعك أن الحياة الهادئة لن تصنع منك شخصاً قوياً، مثلما البحر الهادئ الذي لا يجعل من البحار قويا، وكالسماء الصافية التي لا تجعل من الطيار محترفاً، ولكن ألا نسعى كلنا لأن نكون في حياة هادئة؟ ألا نريد السلام والأمان وأن نبتعد عن الصدامات مع الحياة مهما كانت تلك الصدامات صغيرة؟!

لا شك أنه لا يهمنا كل ما قيل عن القوة وتجذبنا أكثر السعادة فنسعى إليها، إننا وبالرغم من ذلك يا صديقي القارئ فإن الركون والركود يجعلانا أموات، نعم! إن حياتك التي تكون آمناً فيها طوال الوقت، هادئاً في بيتك، لا تخرج، لا تحتك مع العالم، لا ترى الضغوط ولا تواجهها تجعلك تشعر وكأنك جثة فقط..بل تجعلك رغم حبك للأمان تكره حياتك.

تكون ضائقاً بنفسك إلى الحد الذي يجعلك تتمنى أن تكون مضغوطاً أكثر، في مغامرة ما أو مشكلة، ولكن بالطبع تبقى مجرد أمنية.

في روايته (نيتوتشكا نزفانو) يقول ديستويفسكي:

"ثمة لحظات يريد فيها المرء أن يوتر عقـله وقواه إلى أقصى حدود الألم، حتى تنبجس المعرفة كشرارة، فاذا بطيـوف من النبـوءة تجتاح النفس المرتعشة، النفس القلقة لتنبؤها بالمصير الذي ينتظرها. إن كياننا كله، وقد جرفه الظمأ الى الحياة بأي ثمن، يستسلم عندئذ للأمل، مهما يكن هذا الأمل أعمى ومهما يكن عنيفا، وينادي المستقبل بكل مافيه من مجهول ومن سر، يناديه أن يأتى إن صح التعبير، يناديه ولو كان مشحونا بالعواصف والزوابع، حسبه منه انه الحياة."

وبخصوص ذلك الموضوع ثمة موقفاً معبراً جداً.

عن راعي غنم يسير كل يومٍ على حماره مسافات طويلة بعد صلاة الفجر ومعه غنمه، ثم يعود بعد غياب الشمس وبعد رحلة طويلة من التجول في الحقول، في طريق مجيئ هذا الراعي كل يوم يمر على عيادة طبيب الأسنان الأربعيني ويلقي السلام، وفي إحدى الأيام مازحه قائلاً (يا بخت الناس الي قاعدة في التكييف) ، فيرد الدكتور بجدية تامة بأنه يتمنى أن يكون مكانه ويترك تلك العيادة الكئيبة الأشبه بالسجن المكيف.

وهنا يا عزيزي القارئ لدي سؤال:

كيف تضرنا الحياة الروتينية؟ وهل من الممكن أن نكره الحياة الآمنة التي نعيشها لنعيش حياة أكثر نشاطاً وضغوطاً لنشعر بالحياة؟