في أثناء قراءتنا لرواية أو قصة ما ونغوص في صفحاتها وأحداثها ونتعرف على أبطالها، إما أن نشعر برغبة في إكمالها أو نكملها رغماً عنا أو نتركها نهائياً ونبحث عن رواية غيرها والتي قد نجد فيها ضالتنا الذوقية التي نبحث عنها، ولكن ترى..! ، ما هو الشئ أو ما هي الأشياء التي تؤثر على قرار استكمالنا للرواية أو طرحها جانباً للأبد؟

بصيغة أخرى.. ما هي معايير جمال أي قصة أو رواية؟

بالتأكيد ستختلف المعايير من شخص لآخر، فالبعض ينجذب للفكرة وما تتضمنها من نزعة فلسفية تؤثر عليه وتوضعه في حالة من التأمل الطويل وهذا بالفعل حدث لي حين أنهيت رواية "أحدب نوتردام" للروائي والشاعر ڤيكتور هوجو.

وربما ينجذب للقصة نفسه بما تحملها من أحداث وهذا ما حدث حين قرأت، أسطورة النداهة لأحمد خالد توفيق

ربما كذلك يجذبنا عامل "اللغة" ، فعلى سبيل المثال أنا أميل أكثر للغة القوية المليئة بالتعبيرات الجمالية والمجازات والألفاظ العربية القوية قليلة الإستخدام، لذا فأنا أقرأ للرافعي والعقاد وغيرهما من أصحاب اللغة القوية من المعاصرين.

وكذلك قد يجذبنا شخصيات الرواية، قد نحب صفاتهم..قد نتأمل وصفهم..قد نتعجب بتصرفاتهم...قد نتخذهم قدوة...بل قد نتعلق بهم!

نعم..لا تتعجب، قد نتعلق بأبطال رواية ما قرأتها، كم من قارئ شغوف تعلق برفعت اسماعيل في سلسلة ما وراء الطبيعة لأحمد خالد توفيق، وكم من مطالع نهم رأى في شخصية أدهم صبري التي ابتكرها نبيل فاروق قدوة حقيقية .

والكثير من الأمثلة التي تستعصي على الحصر..وإن تدبرنا في قراءاتنا السابقة لوجدنا أننا أحببناشخصيات وكرهت شخصيات وحزنت على موت شخصيات، ولعل هذا الأمر يدل على مدى قوة وبراعة الكاتب في رسم تلك الشخصيات بتلك الطريقة التي أثرت فينا واندمجنا معها وتعلقت بها وآمنا بوجودها لهذا الحد.

في كتابه "هذه سبيلي" يقول الروائي أيمن العتوم:

" إنني أصنع أبطالي من الحروف ثم أصلُ هذه الحروف بعضها ببعض، ثم أنفخ فيها فتكون بإذن الله أبطالاً من لحم ودم ! شخصيات روايتي مستمدة من الواقع أصعد بها إلى الخيال، ومستمدة من الخيال أنزلها على الواقع . الشخصية الخيالية تماماً مائعة، مثل شبح يغطيه رداء أجوف، والشخصية الواقعية تماماً جامدة، مثل صنم تخرقه الريح، على السرد أن يؤلف مزيجاً بينهما ."

ويقول في نفس الكتاب موضحاً صعوبة الأمر :

"لقد استخدمت كل ما أملك من أدواتٍ في توصيفهم، لقد نحتُ هيئاتهم ، وشكّلتُ اذواقهم ، وخِطتُ ألبستهم ، وصوّرت طرق مشيهم في الشوارع ، ولوّنتُ عيونهم ، ودرجة بحّة أصواتهم أو عرجة خطواتهم ... من أجل أن اجعلهم ينتفضون من الحرف والورق إلى الحياة والواقع ، لقد كادت أن تُصبح هذه الشخصيات حقيقية تأكل الطعام وتمشي في الأسواق"

فهذا هو أيمن العتوم صاحب الإنتاج الغزير وهو يشرح كيف أن عملية رسم بطل روائي هي عملية غاية في الصعوبة والدقة وتحتاج إلى مبدعٍ حقيقي، ولعل أهم العناصر التي أحدها لا غنى عنها والتي أتبعها في رسم شخصية روائية.

١- أن تكون شخصية طبيعية دون مبالغة في الوصف أو صبغها بالملائكية..فهذا غير منطقي وقد لا يقتنع القارئ بها.

٢-أن أهتم بتفاصيلها، ماذا تحب..ماذا تكره..وأصف تصرفاتها بدقة، خاصة تلك التصرفات التي تنبؤ بصفة من صفاتها.

٣-الإعتماد على التلميح أكثر من التصريح، فبدلاً من قول أن فلان كريم، أضعه في مواقف تبين كرمه..وعلى القارئ أن يستنتج.

٤-لا بأس أبداً في أن يكون في الشخصية بعض القصور، أو بعض التناقض، لأنه بشر في الأول والأخير، ولكني لا أحب رسم شخصية متناقضة كلياً، حتى وإن أخطأت في رسمها وبدا فيها شئ من التناقض، فهذا لا بأس به وأراه شيئاً لا يعيب الكاتب أو الشخصية.

وسؤالي لك هنا...ما هي سمات الشخصية الروائية الناجحة من وجهة نظرك؟ وما هو بطلك المفضل أو شخصيتك المفضلة من خلال قراءتك في فنِ الرواية؟