من منا لم يمر بموقف عصيب أثر عليه لوقتٍ طويل؟، أو حدث له خطب من خطوب الحياة فأصبحت مشاعره سوداء تتنقل ما بين الكآبة والحزن والضيق؟

بالطبع كلنا مر بموقفٍ مشابه أو بالأدق لقد مررنا بالعديد من المواقف التي توقفت الحياة فيها في نظرنا بسبب تلك المواقف التي باغتتنا، وبقينا نقبع في ظلمات عديدة من المشاعر السيئة التي رافقت تلك المواقف، ولعل ما يهمك عزيزي القارئ وأنت بصدد ذلك الشعور البائس الذي خلفه موقف ما غير لطيف في حياتك هو كيفية الهروب من ذلك الشعور الخانق وكيفية التحرر من وطأته الشديدة.

في كتابه السماح بالرحيل يشرح ديڤيد هاوكينز آلية بسيطة يمكن من خلالها التخلص من معوقات التفكير، والتحرر من السلبية، حيث كان الهدف الأساسي للمؤلف خلال سنوات هو إيجاد الوسائل الأكثر فعالية في تخفيف معاناة البشر بجميع أشكالها، وقد وُجدت الآلية الداخلية للتسليم لتكون ذات منفعة عملية عظيمة وقد تم شرحها في كتاب "السماح بالرحيل"

 وفي هذا الكتاب بيَّن دڤيد هاوكينز فكرة ارتأيت أنها تستحق العرض هنا والمناقشة.

وهي في مجملها "العلاقة بين أفكارنا ومشاعرنا"، كيف نستخدم أفكارنا في السيطرة على مشاعرنا، سواء عن طريق جذب المشاعر الإيجابية إلينا أو طرد المشاعر السلبية عنا، وكذلك العكس، كيف نستخدم مشاعرنا "التي تبدو غير إرادية" في السيطرة على أفكارنا. 

وهنا يحضرني سؤال:

أيهما أقوى الأفكار أم المشاعر ..هل الأفكار هي التي تسيطر على المشاعر او العكس، وعلي أي شئ يتوقف ذلك؟

يقول هاوكينز :

"إن الأفكار تخزن في بنك الذاكرة بحسب المشاعر المرتبطة بهذه الأفكار، ولهذا عندما نتخلى أو نسمح برحيل شعور ما، فإننا بذلك نحرر أنفسنا من كل الأفكار المرتبطة بها" 

فمثلاً لو قدمناي امتحان ما ورسبنا فيه، سنحزن بلا شك، وقد يستمر حزننا لأيام، وفي تلك الأيام ستتولد أفكار عندنا يغذيها هذا الشعور من الحزن، وهذه الأفكار مثل "أنا فاشل - لن أنجح لو قدمت مرة أخرى ..إلخ" فهذه الأفكار تم حشوها في عقلنا بسبب شعور الحزن المصاحب للحدث الذي مررنا به وهو "الإخفاق في الإمتحان"، ولكننا إن تخلصنا من ذلك الشعور بأي طريقة كانت، كان عقلنا طوع يدنا لتغيير تلك الأفكار ولوضع أفكار أخرى وقد تكون على عكس الأفكار القديمة تماماً، لذا ينصح دائماً بالإهتمام بالحالة المزاجية وتلك المشاعر التي تبدو طارئة لأنها بيئة خصبة للأفكار السلبية.

يقول هاوكينز موضحاً الفائدة التي قد تطرأ علينا إن تخلصنا من تلك المشاعر السلبية مهما كانت تافهة:

" كلما تخلينا عن المشاعر السلبية نتحرر ويرتفع مستوى وعينا لنعيش غالباً مشاعر ايجابية "

وهذا ببساطة لأن الإنسان ما هو إلا أفكار، فإن كانت أفكاره إيجابية عاش حياة أقرب إلى السعادة وإن كانت أفكاره سلبية فستكون حياته صورة لتلك الأفكار. بل والذي كنت أغفل عنه أن التفكير يكوِّن الوعي، وهذا خطر بالتأكيد إن كانت أفكارنا سلبية!

هاويكنز وضح أهم خطوة للتخلص من الأفكار السلبية وهي "الإعتراف بوجودها" حيث قال:

" السماح بالرحيل يعني ادراك شعور ما والسماح له بالظهور والمكوث معه ويأخذ مجراه دون محاولة تغييره، ببساطة السماح له أن يكون هنا للتخلص من طاقته "

فإن لم نعترف بالشعور سيظل يؤلمنا وننكره، ويزيد في إيلامنا ونستمر في الإنكار..وهلُم جرَّه.

 الامر لم يكتفي لهذا، بل أوضح بعد ذلك أن الأمر يستند برمته إلى إرادة الإنسان، فيقول:

" كل شيء يمكن أن يؤخذ من الإنسان ، ماعدا شيء واحد حريته في اتخاذ موقف محدد في ظروف معينك .. حريته في اختيار طريقه الخاص " 

 ويقول في موضعٍ آخر من الكتاب:

"لا أستطيع هي في الحقيقة لا أريد"

والسؤال هنا: كيف تتعامل مع مشاعرك السلبية، وما هي الطريقة التي من خلالها تتخلص منها في أقرب وقت وبأقل الخسائر؟