فِي كتابه "مهزلة العقل البشري" استوقفتني قصة ذكرها الكاتب و المفكر علي الوردي، حيث يقول فيها:

يُحكَى أنَّ جَمَاعة مِن الفِئرَان، اجتَمعُوا ذَات يَوم، ليُفكِّروا فِي طَريقة تُنجيهم مِن خَطَر القِطِّ، وبَعد جَدَلٍ عَنيف، قَام ذَلك الفَأر المُحتَرَم، فاقتَرَح عَليهم أَنْ يَضعوا جَرسًا رَنَّانًا فِي عُنق القِطّ، حَتَّى إذَا دَاهمهم؛ سَمعوا بِهِ قَبل فَوَات الأَوَان، وفَرّوا مِن وَجهه. إنَّه اقترَاحٌ رَائِع لَا رَيب فِي ذَلك، ولَكن المُشكِلَة الكُبرَى؛ كَامِنَة فِي كَيفية تَعليق الجَرَس عَلَى عُنق القِطّ، فمَن هو ذَلك العَنتَري الذي يَستَطيع أَنْ يَمسك بعُنق القِطِّ، ويَشدّ عَليه خيط الجَرَس، ثُمَّ يَرجع إلَى قَومهِ سَالِمًا غَانِمًا؟.. نَسَي صَاحبنَا الفَأر، أَنَّ اقترَاحه لَا يُمكن تَطبيقه عَمليًا، فالقِطّ سَوف يَأكل كُلّ مَن يُريد أَنْ يَشدّ عَلى عُنقه جَرَسًا مِن مَعَاشِر الفِئرَان..!

المغزى من القصة هو أنه لا ينبغي ان تكون الفكرة جميلة بحد ذاتها، بل المهم أن تكون عملية، إن الفكرة تشبه المفتاح، لا يهم إن كان ذهبا أو خشبا، المهم هو أن يفتح الباب.

هذا يذكرني بالعديد من الكتاب والمفكرين الذين يتناولون مشكلات المجتمع المتفرقة ويضعون حلولاً جذابة لها، ولكنها حلول لا يمكن استخدامها خارج تلك الصفحات التي كتبت فيها. حلول نظرية يصعب استخدامها عملياً، حيث يجيب الكاتب أو المفكر على سؤال "ماذا سنفعل تجاه تلك المشكلة؟" ولكنه لا يضع أسساً حقيقية بالإمكان الإستناد عليها إذا ما طبقنا تلك الأفكار على أرض الواقع.

والأمر لا يتوقف على الكتاب الذين يناقشون مشكلات المجتمع أو الدولة بل أن نفس المشكلة نجدها عند متخذي القرار أنفسهم، فهم في الغالب يجيبون عن سؤال "ماذا سنفعل؟" وهذا بالفعل يؤهلهم لأن يتخذو قرارات حقيقية، ثم بعد ذلك يصطدمون بحقيقة أن تلك الحلول التي اقترحوها لا تصلح للعمل عليها أو تتضمن صعوبات أخرى من الصعب وضع استراتيجية قبل التغلب عليها. بالضبط مثل مشكلة "من سيعلق الجرس على رقبة القط؟"

فالسؤال الأهم من وجهة نظري ليس سؤال "ماذا سنفعل؟" رغم أهميته. ولكن السؤال الأهم والذي لابد وأن يكون جزءاً من السؤال الأول هو "كيف سنفعل؟" وهو لا بد من وجوده لتكون خطة الإصلاح فعالة.

وكذلك الأمر في حياتنا لا يكفي أن نختار حلولاً جميلة وحسب بل لا بد ان تكون فعالة وتستطيع أن تحقق ولو جزءاً من الغرض الذي نريده، وهذا أفضل من الإصطدام برونق حلول ليس بإمكاننا أخذ أي خطوة فيها.

وسؤالي هنا..كيف تتمكنون من إتخاذ قرار مصيري، وهل تملكون تلك الجرأة؟ كيف تدرسون الأمر قبل أخذ قرار؟ وما هي أفضل طريقة نستطيع من خلالها اختيار القرار الأنسب؟