إنها الثالثة بعد منتصف الويل،ظننت أنني بخير حتى ذهبت للطبيب للكشف عن صحة ذلك وكان في التقرير فقط رضُوض في المشاعر وكسُر في الخاطِر وبعض الخدوش على الذاكرة، رغبة عظيمة في البُكاء حَد الغرق، وضعت أغنيتي الحزينة الباهتة، ولكن من كثرة ضياعي انتهت ولم أسمع حرفاً منها،أشارَت ساعتي إلى الحَنين، و منذُ تلك اللحظة عقارِبُ التفكير تلدغُني، هنالك كان يجلس أحدهم ، شخصٌ ما لا يملك أياً من الملامح ، و لكنه معتم جداً سواده حالك ، أسود و قبيح جداً ، يجلس و يبتسم دون مبالاة ، أصبحت أشعر بـارتباك أكثر حينها ، أتذكر ذلك جيدًا ، أنا خائف و بدأ جسدي بالتعرق، و هو يبتسم ابتسامة يملؤها البرود ، حتى أخذت القرار بيني و بين نفسي أن أواجهه ، ذهبت إليه و بدأت بالحديث..
- مرحبًا ! من أنت، ولِمَ هكذا لونك !؟
-- بابتسامة عريضة يملؤها البرود أهلاً، من أين لك هذا الاتزان وكل أيامك لا تعرف الطمأنينة، لماذا لا تجلس أولًا؟
- حسنًا ها قد جلست، و لكن من أنت؟
_ أَحقاً تريد التعرف إليّْ؟
- نعم أرغب ،رغم انعدام راحتي في فعل ذلك، ولكن لا بأس أجِبْ.
--اممم حسناً، أنا أنتَ ، أو دعني أقربلها لك، أنا انعكاسك، وجهك الآخر، أنا نصفك السيء ، أنا أنت، ظلامك يا عزيزي .
- و لكنني لست سيئاً إلى هذا الحد الذي أنت عليه الآن !
-- بل أنت أسوأ من ذلك يا عزيزي و لكنك لا تعلم " ههههههه" .
-بصوتٍ عالٍ ونبرة يملؤها الضجيج، كيف أكون بهذا السوء، و أنا أمامك بكل هذا الضعف؟
-- حسنًا حسناً لا تغضب، سأخبرك بـأمر، أنا من صنعك لقد خلقتني بدون أن تُدرك ذلك.
- لم أصنع أحداً، ولا شأن لي بكل الخرافات التي تقولها.
_ لا تكن في تلك العجلة دعني أشرح لك، أنا التراكمات و الكدمات التي أحدثها الآخرون بك، أنا الشكوك التي تغتابك و القلق الذي يلازمك، أنا الخوف و الاكتئاب و الهلع، أنا التفكير السلبي و الرهبة من المواجهة، أنا أمثل كل الأشياء السعيدة التي لم تفعلها حتى انطفأت روحك و فقدت شغفك تجاهها، أتغذى على خيالك و أنمو على حرمانك من ملذات الحياة، أنا ميولك تجاه الموسيقى الحزينة و الصور الباهتة والأماكن الفارغة ، صدقًا أنا هو أنت و لا يوجد مفر لك من نفسك، هل هذه إجابة منطقية على تساؤلاتك، جميع هذه التراكمات بداخلك و لم يشعر أحد بك، أتظن حقاً بأن لك أحباب؟
-حين يخسر الإنسان توقّعاته في الشّخص الذي أراده حقًا، لا أحد يستطيع أن يعيد إليه طمأنينته نحو أيِّ شيء،
و لكنني لا أُريد ذلك ، لا أُريد أن أبقى هذا الشخص الذي عليه الآن ، أُريد أن أكون عاديًا ، مُجرّد إنسان طبيعي، إرحل يا هذا !
-- صديقي ، لن نفترق أبدًا ، سأرافقك مثل ظلك ، سأحطمك مرارًا و تكرارًا ، سأطفئ شغفك حتى تيأس تمامًا ، سأجعلك ترى الجانب السيئ فقط ليس أكثر ، و كلما حاولت الوقوف مرة أخرى ، سأطرحك أرضًا ، و أضع قدمي على وجهك ، خاصة على عينك ، حتى لا ترى شيء سوى الخوف، و سيرافقك الملل من كل الأشخاص إلى أن يختفوا من حياتك ، و تبقى وحيدًا كما كنت ، و لكنني سأبقى بداخلك إلى أن تنتهي حياتك ، و داعًا يا عزيزي.
ناديته مراراً وتكراراً حتى ذهب من صوتي، ما أثمرت شيئـاً نداءاتـي، أريد أن يتوقف كل هذا القلق أن يعود قلبي هادئًا كما كان.
- انتهى اللقاء و غادرني ، و إلى الآن و أنا أحاول ، و لكنه ينتصر في كل مرة ، و لكن مع كل نوبة اكتئاب ، أصبح أكثر هشاشة ، لا أعلم متى سينتهي الأمر و كيف، لا بأس فأنا دائِماً كُنت بِمُفردي ، و لكنني سأحاول مرة أخرى،أظن أنني غرمتُ بالأسود حتى تلون به عالمي،أتمنى أن لا أموت حزيناً ذلك سيكون ساخراً جداً.
التعليقات