ليست الذات فكرة، ولا شعورًا، ولا تراكمًا من التجارب…
الذات هي الكيان الذي لا يكفّ عن السؤال، ثم لا يجيب.
هي من تسألنا: لماذا نشعر هكذا؟ لماذا نكرر ما نعرف أنه مؤذٍ؟ لماذا لا نشبه أنفسنا في كل لحظة؟
تسأل بصوت داخلي، وكأنها ليست المعنيّة، وكأنها المراقب الخارجي.
لكنها هي السؤولة… وهي نفسها الجواب.
الذات لا تسكن في الكلمات، بل تُخفي نفسها بينها.
تُطل برأسها حين تقول: “أنا”، ثم تتراجع قبل أن تُمسك.
تعطيك الشعور بأنك وعيت، ثم تنقلك إلى مستوى أعمق، أغرب، أقل وضوحًا.
كلما ظننت أنك وجدتها، أدركت أنك كنت ترى انعكاسها لا حقيقتها.
الذات لا تُقال، بل تُحسّ.
لا تُمسك، بل تُرافق.
لا تُعرّف، بل تُعاش.
هي التي تطرح السؤال،
ثم تسحب يدك حين تقترب من الإجابة.
لا لأنها تخاف، بل لأنها تعلم أن السؤال نفسه هو طريقة الجواب.
أنك إن أجبت سريعًا، خرجت منها.
وأنك إن بقيت تسأل، بقيت فيها.
حين تقول: من أنا؟
فأنت لا تبحث عن حقيقة، بل تعيش فعل البحث ذاته كأصل وجودك.
وهنا نكتشف:
الذات ليست ما نصل إليه… بل ما لا نكفّ عن الدوران حوله.
ليست الذات شيئًا واحدًا،
بل هي الشاهد على الأشياء وهي تمرّ فيك.
هي التي ترى حزنك، ثم تسألك لماذا حزنت؟
وهي التي ترى سؤالك، ثم لا تجيب… بل تنقلك إلى سؤال آخر.
فمن السهل أن تسأل:
ما شعوري الآن؟
ما الذي أريده؟
ما الذي يجب أن أفعله؟
لكن الأصعب، والأصدق، أن تسأل:
من الذي يسأل؟
ومن الذي ينتظر الجواب؟
وهنا، في هذه النقطة الغامضة،
تفهم فجأة… لا بعقلك، بل بحضورك،
أن الذات ليست موضوعًا في كتاب، ولا خريطة في رأسك،
بل هي الحبر الذي كُتب به كل ما تحاول أن تفهمه.
الذات… هي السؤولة، وهي الجواب، وهي بينهما.
هي السؤال الذي لا يُجاب، لأن وجوده هو الجواب الوحيد الذي لا يحتاج إلى برهان.
التعليقات