تخيل أنك تواجه شخصًا أساء إليك بفظاظة، ثم يأتيك صوت داخلي يقول: "سامحه، فالتسامح من شيم العظماء!" بينما صوت آخر يصرخ: "لا تكن ضعيفًا! دافع عن نفسك!" هنا، تقف في منتصف معركة أزلية بين التسامح كفضيلة والاستسلام كمهانة. فما الفرق الحقيقي بينهما؟

التسامح ليس هزيمة، والاستسلام ليس فضيلة

التسامح الحقيقي هو أن تكون قادرًا على الرد، على الانتقام، على قلب الطاولة رأسًا على عقب، لكنك تختار العفو لأنك أكبر من الصغائر. إنه فعل نابع من وعي وإرادة، وليس من الخوف أو العجز. أما أن تقف مكتوف اليدين أمام الظلم، متذرعًا بـ"التسامح"، فهذا ليس إلا استسلامًا مغلفًا بورق الهزيمة اللامع.

بعبارة أخرى:

عندما تعفو عن شخص أساء إليك لأنك ترى أن المسامحة ستصلح الأمور، هذا تسامح.

عندما تتجاهل إساءة خوفًا من رد فعل أكبر أو لأنك معتاد على القبول بالظلم، هذا استسلام.

لماذا يرضخ البعض رغم قدرتهم على المقاومة؟

إذا كنت تستطيع رد الظلم لكنك لا تفعل، فقد تكون هناك أسباب لذلك، بعضها نفسي وبعضها اجتماعي:

  • 1. الخوف من العواقب

الوظيفة، العلاقات، المستقبل… كلها أشياء تجعل بعض الناس يبتلعون الإهانة وكأنها جرعة دواء مرّ. أحيانًا يكون الخوف مبررًا، وأحيانًا يكون مجرد شبح غير موجود إلا في رؤوسنا.

  • 2. التربية والثقافة

"اصبر، فتلك هي الحكمة!"، "لا ترد الإساءة بالإساءة، هذا ليس من الأخلاق!"... جميل، لكن ماذا لو كان الصبر يؤدي إلى مزيد من القهر؟ بعض المجتمعات تزرع فينا ثقافة الطاعة المطلقة، وتجعلنا نخلط بين الاحترام والخنوع.

  • 3. الإرهاق النفسي والاستنزاف

كم مرة سمعت شخصًا يقول: "لقد تعبت من المقاومة، فليفعلوا ما يريدون!"؟ عندما يتكرر الظلم، قد يفقد الإنسان الرغبة في القتال، ليس لأنه لا يستطيع، بل لأنه لم يعد يرى فائدة. هذه ليست مشكلة شجاعة، بل مشكلة طاقة.

  • 4. البراغماتية والمصلحة الشخصية

أحيانًا، يكون خيار عدم المواجهة نابعًا من تفكير عملي: "ما الفائدة من الصدام إذا كانت الخسائر أكبر من المكاسب؟" هناك من يختار معاركه بحذر، وهناك من يتجنبها تمامًا لأنه يرى أن اللعبة لا تستحق العناء.

ماذا عن التسامح مع الظالم غير المستحق؟

ليس كل شخص يستحق فرصة ثانية، وبعض الأخطاء لا يجب أن تمر دون حساب. المسامحة العشوائية قد تكون تذكرة مجانية للظالم ليستمر في ظلمه، بينما وضع الحدود والمحاسبة قد يكون أكثر أخلاقية من العفو. فكر في الأمر: هل غفرانك سيصلح الشخص، أم أنه مجرد ضوء أخضر ليستمر في أفعاله؟

الوعي بالذات: مفتاح القرار

قبل أن تسامح أو تستسلم، اسأل نفسك:

هل أختار التسامح لأنني قوي، أم لأنني لا أملك خيارًا؟

هل هذا القرار يعكس إرادتي، أم أنه مفروض علي من المجتمع أو الخوف؟

ماذا سأشعر بعد هذا القرار؟ راحة نفسية أم ندم؟

الإجابة الصادقة على هذه الأسئلة قد تكون الفرق بين موقف يشعرك بالقوة، وآخر يجعلك مجرد رقم في قائمة الضحايا.

القرار لك!

التسامح الحقيقي قوة، والاستسلام ضعف. لكن كيف تعرف الفرق بينهما؟ كيف تضع حدودك دون أن تتحول إلى شخص قاسٍ؟ هل هناك لحظات يكون فيها التسامح خطأ أخلاقيًا؟ وأخيرًا، هل أنت سيد قراراتك، أم أن الخوف والضغط الاجتماعي هما من يقرران عنك؟

السؤال لك، والإجابة… ربما تستحق منك لحظة تأمل.