الإنسان عاشق للحقيقة لكنه دائم الكذب، يقدس الأخلاق المبنية على الصدق، لكنه لا يتوانى عن إطلاق كذبات هنا وهناك إن لزم الأمر أو لم يلزم، والأغرب أنه يكره الكذب، لكنه يلجأ إليها بوعي وبدون وعي، فما هو سر هذه المفارقات المضحكة؟
من وجهة نظر فلسفية، نحن نكذب أكثر مما نظن بكثير جدا، لدرجة أننا لا نقول صدقاً إلا فيما نذر، وجزء من السبب أننا لا نعرف ماهو الكذب أصلا في أغلب الأحيان، لأننا نعتقد أن الكذب هو غير الصحيح، لكن الكذب له أشكال كثيرة أخرى، التعبير المتعمد عن واقعة مضادة للحقيقة كذب، وإغفال الحقيقة أو تناسيها كذب، وقول نصف الحقيقة كذب، وقول الحقيقة في غير محلها وفي غير زمانها كذب، وإرضاء الناس بتغيير الحقيقة كذب حتى لو كان بحسن نية..الخ.
يميز التقليد الأخلاقي والديني بين ثلاثة أنواع من الكذبات: كذب لمذاعبة ومزاح، وكذب لشر وأذية وكذب لتحقيق مصلحة أو خير للاخرين، لكن في التقليد الفسلفي كل هذه الأنواع تعني شيء واحد وهو انعدام قيمة الصدق وقتل للحقيقة التي هي الغاية الأساسية من أي تفكير وفعل فلسفي، لهذا لا تتسامح الفلسفة مع الكذب ولا تبرره بأي حال فهو رذيلة بدون أي نقاش.
لكن إذا قرأنا الموضوع من زاوية نفسية واجتماعية سيختلف الأمر، وسيصبح الكذب والصدق محكوم بعوامل مختلفة شديدة التعقيد، فقد يحدث الكذب بسبب التوق إلى قيمة الصدق نفسه، وقد يكذب المرء بسبب الخوف، أو المحبة، وقد يرغم المرء على تحقيق الخير بأسلوب يكرهه لكنه يعتبره اقل ضررا، فلا يصبح الكذب مسألة خير وشر، بل مسألة مرونة أحيانا، أو مسألة تهرب من واقع مؤلم أو حتى نتيجة لاشعور أو قلة وعي وليس بالضرورة نية في الشر، مع ذلك يبقى الكذب رذيلة لا يقبلها أحد على نفسه ولا يجب أن برر لها ونقبلها ببساطة.
في رأيك هل يمكن أن يُنال الخير بالكذب فعلا؟ هل هناك كذبة بيضاء كما يُقال أم أن كل الكذب أسود حتى لو لم يؤثر بشكل مباشر علينا؟ مـــــــاهي الكذبة التي لا يمكن أن تغفرها؟
التعليقات