قلنا سابقا أن اللا اكتراثية بكافة أشكالها يمكن أن نعدها  أحد ردود الفعل على الحداثة وأزمتها وهى أحد أشكال مابعد الحداثة ،،

واليوم نريد أن نتحدث عن رد فعل أخر على الحداثة وإشكالياتها وأحد أوجه ما بعد الحداثة وهى الفلسفة التفكيكية أو التقويضية ،،

والفلسفة التفكيكية لو قلنا أنها بعينها السفسطة اليونانية القديمة  المنكرة لحقائق الأشياء فى ثوب جديد لما كنا مبالغين ،،

 وإذا كان اللا اكتراثيون يغيبون عقولهم ويحاولون أن يخدروها أطول فترة ممكنة حتى ينالوا أكبر قدر ممكن من اللذة الوقتية ،،

فهؤلاء ليسوا كذلك هؤلاء يسخرون ما أوتوا من قوة عقلية ونفسية ووقت ومجهود فى السفسطة والمغالطة وتمييع الحقائق وتفكيك المفاهيم وإسقاط المراكز والمطلقات وهدم المسلمات والثوابت ومحاولة إثبات التناقض فى حقائق الأشياء ،،

فالتفكيكيون يرون أن كل شئ قابل للتفكيك والإسقاط والهدم فالعقل عندهم لامعنى له  فهو مفهوم قابل للتفكيك ،،

وكذلك لا معنى لحقيقة مطلقة ولا لواقع موضوعى ولا لشخصية إنسانية ولا لأنواع ثابتة ولا لقانون دائم ،،

فالعالم بما فيه فى تغير مستمر وصيرورة دائمة ونسبية مطلقة بلا ضابط أو رابط أو معيار ،،

 والفلسفة التفكيكية هى نظرية عامة للوجود بكل ما فيه وكما يطبقون نظريتهم التفكيكية الهدمية على الحقيقة والطبيعة والإنسان والاخلاق،،

أيضاً هم يطبقونها فى مجال النصوص الثابتة وعلى هذا فلا معنى عندهم لنص مقدس أو وحى معصوم وهم يلخصون مذهبهم فى هذا كما يقول أكبر منظريهم جاك دريدا بانفصال الدال عن المدلول فالألفاظ والنصوص لا تدل على معانى ثابته أو حقائق موضوعية يمكن محاكمة النصوص إليها وإرجاعها إليها وإثبات صحتها أو خطأها من خلالها ،،

بل يرون أن النص الواحد يحمل فى طياته معانى لانهائية ودلالات لا حدود ومن حق أى قارئ أن يعزل النص عن محتواه وعن السياق الذى ورد فيه  

ثم يفهم منه ما يريد هو أن يفهم بعض النظر عن مُراد المؤلف ومقصوده ،،

وهذه الفكرة تعرف عندهم بفكرة " موت المؤلف" 

فالتفكيكية فكرة ثورية هدمية تؤؤول فى النهاية إلى العدمية الكاملة وهى ثورة على الحداثة ومبادئها ومسلماتها وعلى الدين والعلم  والأخلاق وعلى كل الأنساق والمعايير والثوابت ،،

وأنا هنا أريد من القارئ الكريم أن يصدق تماماً أن هذه الأفكار التى تمثل الجنون بعينه والتى قد لا يتخيل أن أحداً أصلا يمكن أن يعتقد أويؤمن بأمثال هذا العبث والهراء لها قبول واسع وتأثير كبير جداً فى البلاد الغربية مما يعكس الخواء والفراغ الفكرى والعقدى الكبير لدى المجتمعات الغربية بل إن هذه الفكرة العبثية التشكيكية تعد من أهم الأفكار المسيطرة والمؤثرة فى الواقع الغربي ولها الكثير من المؤيدين والمنظرين

 بل إنك كثيراً ما تجد صدى لهذه الأفكار فى بلادنا الإسلامية ممن يحاولون تطبيقها على ثوابتنا ومسلماتنا وأعرافنا والتى من أهمها نصوصنا الدينية القطعية التى لا تحتمل التأويل والعبث  لكنك تجدهم يحاولون تفكيك النص الدينى حاملين إياه على معان لا يحتملها متجاهلين كل القواعد العقلية و الأصولية واللغوية والنقلية التى يجب أن تكون فى الحسبان قبل الدخول إلى قرائة النص مانحين الحق  لكل قارئ فى أن يفهم ويطبق من النص ما يريد هو أن يفهم دون أى قواعد أو ضوابط وما تلكم الأراء الغريبة الشاذة التى تخرج علينا بين الحين والآخر إلا تطبيقاً عملياً لهذه الأفكار متجاهلين خطورة هذه الأراء الهدمية و ما تؤول إليه قطعاً من بلايا كبيرة ومفاسد عظيمة وضياع للحقيقة وفوضى لا متناهية