أتقدم بالعذر أولا أن تأخر قلمى أن يسطر بعض عنك معلمى الفاضل، رحمة الله عليك وأسكنك الله فسيح جناته وجعل علمك عمل يُنتفع به، والعلم إن لم يكن للمرء هاديا فما فائدته!، تأخر قلمى ليس استخفاف بحقك ولكن ضُرب عليه كأهل الكهف، فصمت وصار ينصت، لعله يدرك معنى يضئ لنا فى تلك الظلمات، صرت أقتفى خلفا لك، فلم أعثر، فحثنى القلم للتدوين، دكتور رضا حجاج؛ كلية التخطيط العمرانى والإقليمى، إنه أول دكتور نقابله ويترك اثرا معنا لا يمحى دكتور رضا، نصطدم به فى امتحان الميد ترم أسئلة سهلة وكلنا كنا متعاونين فى حل الأسئلة، لكن المفاجئة حين ظهرت النتيجة، لترى الاثنين كانت إجابتهما متماثلة إلا أن أحدهما أخذ درجة مرتفعة عن الأخر، ثرنا، لكن الدكتور أخبرنا أن ثمة إعادة لمن يرد أن يعدل درجته، شرط أن تكون الإجابة فيها ثمة تفكير، بالله يا دكتور أى تفكير تطمع منا ونحن لتو قد تخرجنا من الثانوية العامة، كل ما نفقهه سين سؤال جيم جواب، لم نعى بعد مقصده، فعادت الإجابات إليه معدلة ولكن تعديلها على النسخة الأعلى فى الدرجات، وظلت الدرجات للبعض كما هى والبعض ارتفع قليلا غير أننا صرنا فى حيرة من أمرنا، ما الذى يُراد منا؟!، لتبدأ رحلتنا معه، يثير أسئلة فى المحاضرة ويكأنها حجر تحرك ماء راكدا، البعض يغضب لمذهب ألفه ولا يرى سواه، رغم أنى لم أفهم مقصده إلا أن فكره كان يعجبنى كثيرا، لعله كان يحرك العقل تلك النعمة التى منحنا الله إياه، العقل مناط التكليف، فلا يكلف المسلم إلا بعدما يصير عاقلا، فتعقل يارجل كى تعرف قدر الأمانة التى حُملتها.

    منظومة العلاقات الوظيفية إنها منظومة لها شكل معين وأسهم وترتيب، لابد فى الامتحان أن تُسأل عنها، البعض لا يهتم بتفاصيل هيئتها فيضعها كما يتذكرها لكنه يفاجئ أنه نقص فى الدرجات وعند السؤال، تراه قد أخطأ فى ترتيب اسم مكان اسم أو وضع أسهم بطرقة خاطئة، تعقل أيها الطالب فكل شئ فى الرسمة له غاية ومن ورائه حكمة فتأمل، محاضرته لا تمل منها إنها ما زالت تيقظ فيك شئ، ربما لم أعى تلك المنظومة حينها لكنى الآن أعيها جيدا، إن كل شئ يؤثر ويتأثر بالثقافة الإنسانية وتلك الثقافة هى ما يتأثر به المرء من موروثات أو عقيدة وتلك الثقافة تصب فى كل شئ الإنسان والإقتصاد والسياسة والعمران والتاريخ وكل منهم يصب فى الثقافة.

  يجلس فى مكتبه ويظل مكتبه مفتوحا للجميع من طلبة وعاملين ومعيدين الكل يستفاد من خبرته ورحمته وعلمه، أخبرنى ذات مرة أنه فى إحدى الدول الأجنبية لأجل أن يأخذ الجنسية عليه أن يقسم على علم تلك الدولة وكثير من زملائه لم يجد مفر وأقسم، لكنه أخبر المسؤلة حينها أنهم يخالفون نصوص القانون التى تطالب باحترام الثقافات الأخرى وأخبرها أن دينه يأمره أن لا يقسم إلا على كتاب الله، فوافقت، ربما البعض يراها قصة عادية لكن فكره لم يكن إلا أنه اطلع على قانون تلك الدولة وأخبرنى حينها بضرورة المطالعة والقراءة، لديه مكتبة إلكترونية لكتب فى مجالات شتى، كان محب للعلم ولطلبة العلم، كانت له رؤية مخالفة لما هو متوارث، يرى أننا كطلبة نجرى التسليمات فى الكلية فقط وبينا المعيدين يصححون لنا ولا نأخذ تسليمات بعد ذلك، لطالما احببت هذا النظام، فأصعب ما فى كليتنا أن تعمل فى مجموعة لا تفقه العمل الجماعى، لا تدرك أن يد الله مع الجماعة، والأسوء أن يقود أسوئنا، ليس لقلة علم ولكن لقلة حكمة ورحمة بباقى أفراد المجموعة، فالقائد هو من ينهض بكل شخص فى مجموعته، يكون على الحياد لا ينحاز إلا لمصلحة المجموع لكن أنى لنا بتلك المعانى ولم نتعلمها بل لم ننظرها امامنا، حتى من كان مجتهد فينا تراه يضيع الوقت ولا يأتى إلا فى أخر الوقت ليجمع مجموعته ويوزع العمل ويجعلهم فى تصارع مع الوقت، هذا التصارع ويكأنه لعنة أصبنا بها، فما زلنا حتى بعد التخرج، تجد بعض إعلانات العمل تشير إلى العمل تحت ضغط، ولما الضغط إذن؟!.

   لم يكن يفرق بين طالب ومعيد وعامل الكل أمامه سواسية، ذات مرة جلست أمامه أبغى مشورته فى أمر وكان بجواره معيد يطلب مساعدته فى رسالته، وبعدما فرغ ما زلت جالسة صامت إلى أن حدثنى وطلب منى الحديث، عقبها عاد المعيد لكنه ظل متابع معى الحديث وتركه ينتظره، تأفف المعيد لطول إنتظره، بالله تأدب بأداب العلماء فعقب قليل ستصير مكانه، بالله تعلم لتسد فجوة بعد رحيل هؤلاء، فإن لم يكن الخلق هو سمت العلماء فبالله أين نعثر على الخلق إذن؟!

 انتقل الدكتور رضا إلى الرفيق الأعلى فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى، لكنى ابحث عن خليفته، فإن لم يخلف العلماء أحدا من بعدهم فيا حسرتاه!