في المساهمة السابقة والتي كانت سؤالا جدليا عن " هل المتنبي شاعرا أم فيلسوف؟" استنكر الجميع لإمكانية أن يكون المتنبي فيلسوف، واعتبرت الأغلبية أن الشعر والفلسفة طريقان لا يلتقيان على أي حال، لذلك ستـأتي هذه المساهمة كمحاولة أخرى لأعادة النظر في العلاقة بين الشعر والفلسفة انطلاقا من أهم قصيدة في فلسفة المعرفة- في رأيي- وهي قصيدة النفس للابن سينا يقول فيها:

هبطت إليك من المحلّ الأرفع**ورقاء ذات تعزّز وتمنّع

محجوبة عن كلّ مقلة عارف**وهي التي سفرت ولم تتبرقع

وصلت على كرهِ اليك وربما**كرهت فراقك وهي ذات تفجع

يشرح ابن سينا في هذه الرائعة معنى النفس وأدلة وجودها، فيقول بأن النفس هي الأصل في الوجود وهي القوة المحركة للجسم وآداة الإدراك وهي من طبيعة جوهرانية متعالية من عالم علوي، عكس الجسد الذي هو تجميع بين عناصر أربعة: الماء والهواء، النار والتراب؛ وهي جزء من النفس الكلية الأزلية والتي هي نفس الخالق، لذلك فهي خالدة لا تموت ولا تبيد عكس الجسد؛ وهي عارفة عالمة، تحمل المعرفة في ذاتها، فهو يعيد فكر افلاطون ونظرية الفيض، الفرق بينه وبين أفلاطون، أن هذا الأخير يعتقد بأن النفس تلد قبل البدن في عالم المثل، لكن ابن سينا يعتقد بأن النفس محدثة تلد بولادة الجسد.

يعطينا ابن سينا مجموعة براهين لوجود النفس ملخصها كالتالي:

• الأنا ثابت داخل الإستمرار الدائم: أي أن الجسد دائم التغير من مرحلة لأخرى، لكن النفس ثابتة رغم الاستمرار، فرغم تغير الحالات النفسية يبقى جوهرها راسخا.

• الانا ماثل في الوعي: فالانا موجود في الوعي حتى عند غياب أجزاء من الجسد.

• النفس المدركة الجامعة: أي رغم أن الجسم هو من يصلنا بالخارج لكننا ندرك بأنفسنا لا بأجسامنا فنتبصر مالا نراه بأعيننا، ما يعني أن الجسم محدود والنفس مطلقة.

• براهان الرجل المعلق في الفضاء: وهي أن الانسان حتى لو جرد من كل أعضائه فعلق في الفضاء دون ان تكون له قدرة على لمس أي جزء منه، مع ذلك سيبقى يدرك كل شيء بنفس القوة.

الأن حسب رأيك هل توجد النفس بمعزل عن الجسد؟ ومجددا هل مازلت تعتقد أن الشعر بعيد عن الفلسفة؟