بعد قراءاتي الكثيرة في سيرة بوذا وتدريسي للفكر الشرقي القديم والفكر البوذي سنوات عدة، وجدت أن هناك ادعاء من محبي الاستنارة واليوغويون وحتى علماء ودارسي مقارنة الأديان والأنثوبولوجيا أن سدهارتا غواتا بوذا كان شخصا زاهداً ومُقلا لدرجة أن أقسم على نفسه أن لا يأكل سوى حبة أزر واحدة في اليوم، مع العلم أن بوذا بقي طول مسيرته حكيما ورجل حقيقة لا أكثر، وحتى أتباعه الأكثر أصولية لا يعتبرونه نبيا أو إلها، بل هو رجل مستنير، وهو ما يجعلني دوما أتساءل: كيف للناس أن يؤمنوا بهذا الكلام في شخص بقدرات عادية؟ وهل كان قسم بوذا على نفسه قسما حرفيا أم أنه يحتاج لتأويل ما؟ هل كان بالفعل يعيش على حبة أرز؟
قطعا لا، فبتحليل منطقي واستحضار قليل لبعض المعلومات البيولوجية البسيطة، سنوقن أن هذا كلاما فارغا، فليس لكائن حي أن يعيش على هذا المقدار من الطعام 80 سنة، هذا ضرب من الخبل، لكن القصة كلها قصة رمزية، يريد بها الحكيم أن يقول بأن الزهد في الطعام والملذات هو الطريق الوحيد للتخلص من الألآم والوصول للحكمة والطمأنينة، والمقصود هنا ليس حبة الأرز نفسها، بل الكناية عن القلة، فأقل ما يمكن أن يكون عليه الطعام البشري هو حبة أرز.
سنجد في تاريخ الفكر البشري حكماء وفلاسفة كثر يقولون نفس الكلام بطرق مختلفة، فقد قالها أبيقور: يجب العيش على قطعة خبز وكأس ماء" وليس الذلالة هنا الفقر، بل تقليل الأكل لأنه أحد الحاجات غير الضرورية بالنسبة إليه، وفي الفلسفات الإسلامية:" الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء" في دلالة على أن معزم الشرور والألآم تأتي من لذة الأكل.
لقد أثرت فكرة القلة هذه على الكثير من المدارس العلمية والفنية في جميع مجالات الحياة وليس في الطعام والملذات فقط ، فظهرت فلسفات ونظم تغذية تتبع الصيام البوذي وسيلة علاجية فعالة في مراكز علاج مرموقة حول العالم، وحركات فنية مهمة مثل المينيمانيلزم Minimalism في الفن والعمران والتصميم المعاصر كأرقى ما توصل إليه في هذه المجالات..ألخ
في رأيك ماهي حدود التقليل والزهد في الحياة؟ وهل هناك إمكانية حقيقية للتقليل فعلا في خضم ما وصلنا إليه اليوم من فائض في الموارد والسلع والخدمات؟ كيف يمكن أن نقلل في الوقت الذي تتسابق علينا الشركات وينهشنا الافتتان بالجديد والمتقدم ؟
التعليقات