ابن رشد هو ابن الأندلس التى من سماتها العظيمة أنها اهتمت بالفلسفة اهتماما قويا آنذاك ، وفى المقابل كان أغلب أهلها بعيدين عن فهم الفقه الإسلامى وقتها بمذاهبه المتعددة ، وعلى الأقل فهم ليسوا كأهل مكة و الشام فى هذا الأمر ، بل كانت المنافسة شديدة بين الفلاسفة و الفقهاء الموجودين آنذاك ، وحيث أظهر الخليفة أبى يعقوب يوسف عبد المؤمن رغبته فى تفسير كتب أرسطو و دفع الشك عنها وأمر ابن طفيل العظيم بهذه المهمة ، ولما كان ابن طفيل متقدما فى السن فطلب هذه المهمة من ابن رشد القارئ النهم لهذه الفلسفات العميقة العتيقة ، مما كان له أبلغ الأثر على حياة المسلمين كلها بعد ذلك ،إلا أن ابن رشد مثل حالة جديدة و غريبة على كل المسلمين آنذاك ، وللإنصاف فإن الدولة الإسلامية بأقطارها كانت متولية زمام تقدم البشرية آنذاك حتى أتى ابن رشد ليمثل مرحلة خطرة و مهمة فى فهم الدين ، وتمهيد كان لابد من فهمه حتى تكون علوم الدين معتمدة على البرهان ومواكبة لتطور البشرية ، ملاحظا أن الخطأ فى فهم الدين يسئ إلى الدين ذاته ويبعده عن غرضه الأساسى ويؤدى إلى الفرقة بين الناس دون داع بالرغم من أن الهدف واحد .

درس ابن رشد الفلسفة وفسرها وفهمها و علمها وسيما اليونانية ، إذ أن اهتمامه بعلم المنطق قد هداه إلى أن مهمة الفلاسفة هى البحث فى الموجودات ، و البحث فى الموجودات هو جوهر الشرع إذ يقول الله تعالى "أولم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ " ، وكذلك قوله تعالى " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض " وقوله تعالى " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت " ، وقوله تعالى " ويتفكرون فى خلق السموات والأرض "

يقول ابن رشد أن أكثر الناس يصدقون بالخطابة و الجدل ، و القليل جدا منهم يصدقون بالبرهان ، لذلك جاء الشرع متفقا مع الأغلبية ، أى أن فى ظاهره ما يرضى هذه الفئة الغالبة من الناس ، وهذا لا يعنى أن الشرع كله يؤخذ على ظاهره ، بل على الخواص أن يؤلوه حتى يدركوا حقيقته التى تتناسب واستعدادهم ، و لما كان الناس على ثلاثة أصناف " خطابيين ، جدليين ، برهانيين " وجب أن يحفظ التأويل فى نطاق رجال البرهان و فى مؤلفاتهم مخافة أن يؤدى التصريح به لمن ليس أهلا له إلى الكفر ؛ فالمصرح بالتأويل على إطلاقه لكافة الفئات كافر لذلك .

ويقول ابن رشد إذا كان فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر فى الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع أعنى من جهة ماهى مصنوعات فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها ، وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات ، وحث على ذلك وقد قال تعالى " فاعتبروا يا أولى الأبصار "

وينتهى ابن رشد إلى أمنيته أن يمد الله فى عمره ليوفى التأويل حقه أو أن يدل على الطريقة التى يجب اتباعها حتى لا يسئ أحد استخدام هذه الإمكانية العظيمة .

وأقول فى ختام هذا المقال و نحن فى القرن الواحد و العشرين وبعد انتشار العلوم الاجتماعية و الطبيعية بفروعها المختلفة أننا الآن نعرف الكثير عن أنفسنا وعن الحياة من خلال العلم و الذى بدوره ليس أبديا بل قابل للتغيير من خلال مناهج علمية أيضا ؛ فإن هذه المرحلة لم ولن تكن ضد الشرع أبدا بل هى صميم الشرع ذاته ، وصميم الحياة عموما وواجب أن ندرسها و نتعلم من تغيراتها المستمرة التى لا تكف عن التغير باستمرار ، ومن هنا فإن مهمة تأويل الشرع هى مهمة مستمرة ومرهونة باستمرار حياة البشر ؛ ولذلك فإن ابن رشد كان فيلسوفا و فقيها على غير عادة العرب ولأول مرة بل أنار العالم كله فيما بعد وأخص بالذكر العلامة ابن طفيل قبل ابن رشد ، أما كل من تجمدوا أمام هذه العظمة انتهوا ونهوا معهم عهد الدولة الإسلامية بسببهم .

فما رأيكم فى فلسفة ابن رشد عموما ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟