لم يجمع أبا الوليد ابن رشد و أبو حامد الغزالي عصرا واحدا، غير أنهما يمثلان أشهر مواجهة فكرية في ما يتعلق بالفلسفة عموما والفلسفة الإسلامية على وجه الخصوص، إذ لا تجد موضوعا يختص بالفلسفة ومكانتها لدى أسلافنا إلا وقد أشار إما لـ "تهافت الفلاسفة" أو لـ "تهافت التهافت"، وفي غالب الحالات يذكرهما معا كمنطلقٍ وركيزة.
يُقصد من عبارة "تهافت" إنهيار أو تداعي، فالغزالي بكتابه "تهافت الفلاسفة" قد أوحى أن مضمون كتابه ناقد لأفكار الفلاسفة وتوجههم، فوصف موقفهم بأنه يتلاشى أمام ما جاء به في هذا المؤلف الناقد.
وفي نفس السياق يأتي كتاب ابن رشد كرد على الغزالي واصفا كتابه بأنه يحمل تداعي كتاب التهافت..
بادئ الأمر فقد مر الغزالي بتجارب عدة جعلته يخوض في الفلسفة والتصوف والاعتزال، نقد أبو حامد كل مجال تبنى أفكار جماعته، فألّف "تهافت الفلاسفة" ردا على فلاسفة اليونان ومحطما أساطيرهم المتعلقة بتفسير الغيبيات ومسائل اللاهوت، واصفا محاولاتهم في هذا السياق بالفاشلة، ورأى أن تكتفي الفلسفة بالمجالات القابلة للقياس كالطب والرياضيات والفلك..، مؤكدا أنها حتى في تلك المجالات تبقى ضعيفة، فكتابه عبارة عن "مواجهة" للفلاسفة وأفكارهم أو تصوراتهم.
بينما جاء كتاب "تهافت التهافت" كمواجهة هي الأخرى لما عرضه الغزالي في كتابه، إذ أن ابن رشد يدافع عما رآه تهجما من الغزالي على الفلسفة وتقليلا من قيمتها، خصوصا أن ابن رشد وُصف لاحقا بـ "شارح فلسفة أرسطو" لبراعته في الفلسفة وعقله الفلسفي المحلل والناقد.
قسم ابن رشد كتابه إلى قسمين؛ طبيعيات وإلٰهيات، وخاض يدافع عن الفلسفة خصوصا الجانب الطبيعي الذي تتناوله.
ولعل الأكيد في الموضوع أن "مواجهة" الغزالي وابن رشد تلخص الحاجة الملحة للتناظر والتواجه في سبيل التوصل إلى حقيقة ما، وقد كانت لتكون مواجهة مثرية أكثر لو أنهما وجدا في ذات العصر!
مارأيكم في مواجهات المفكرين والعلماء؟ هل ترونها خطوة لازمة أي دائمة؟ أم أنها مرهونة بالمواضيع الجدلية مما يجعلها ثانوية؟ وهل تعرفون عن أمثلة ونماذج أخرى؟
التعليقات