أصدقائنا الجهابذة المثقفين مطاردين الحكمة والمعرفة في كل مكان، لا بد أن شخصا ما ألهمكم لتكونوا مثقفين مثله، ربما تمنينا أن نكون حكماء كأجدانا أو كبير قريتنا، أو أساتذاتنا، أو ربما بطل روايتنا المفضل، أو بطل فيلمنا المثالي، وشخصيا عشت كل حياتي، أتبع أطياف أشخاص لم أرهم قط، وتمنيت أن أكون مثلهم أو تلميذة جيدة لهم على الأقل، ولم يمر علي يوم لم في حياتي تقريبا، لم أتمنى أكون مثل المتنبي أو أبي العلاء المعري، نيتشه، أو بوذا، زرداشت، جلجامش...أو حتى صغار الحكماء سارتر وسيمون ديبوفوار، جوديث بتلر...الخ، لكن لماذا هذا النزوع الجارف نحو الحكمة؟ هل علينا أن نكون حكماء لكي نكون سعداء؟ هل الطريق الوحيدة للخلود والنجاح بالفعل هي الحكمة؟

 في تصريح جريء جدا للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك، يقول فيه أن الحكمة هي أكثر شيء مثير للاشمئزاز يمكن أن يتخيله أحدنا!

ببساطة لأنها أكثر الأشياء ملازمة للأعراف، وهي أكثر الأشياء جمودا وإنتاجا للقوالب والتفسيرات النمطية، سيتعب العلم لقرون في تفسير شيء ما، ثم يأتي حكيم ما يبرر فقط من أجل إدهاش الناس، يعطي مثالا بقول: أن المخاطرة هي طريق الربح والثراء، كحكمة تبدو ملهمة وجيدة، لكن ماذا عن الأغلبية التي تخسر كل يوم من جراء المخاطرة واتباع هذا ؟ لكن مع ذلك عندما نفشل سيأتي نفس الحكيم ويخبرنا أن الفشل هو أساس النجاح ولا يمكن أن نصل للربح دون تذوق الخسارة.

يعيطنا مثال أخر ليشرح مدى عبثية الحكمة، يقول الحكمة تخبرنا أن علينا أن تترفع عن ملذات الدنيوية ونبحث عن الكمال الحقيقي في الحياة الأبدية علينا أن نفكر في الخلود، لكن الحكمة تقول أيضا : لماذا نطارد شبح الخلود؟، علينا أن نعيش اللحظة ونتمسك بالحياة ونستمتع بها بعمق، ثم لذينا حكمة أخرى وهي: علينا أن نوفق بين الحياة الواقعية وبين أملنا في الخلود والحياة الأبدية، فالحكمة أن نعيش ملذات الحياة وستنعكس على خلودنا...

فمع أن كل هذه الأفكار متعارضة ومتناقضة لكننا نراها حكم ! وهكذا سيتضح أن كل ما نقوله يمكن أن نطلق عليه اسم حكمة جزافا وهذا هراء!

إذن في رأيك هل الحكمة بالفعل شيء عظيم، أم أنك توافق سلافوي جيجك بأنها محض كلام تافه أعجبنا به لسبب ما؟ وهل كل الحكم مجرد كلام؟ هل ترى أن الكل قادر على قول الحكم؟ وبهذا المعنى هل يدعم كلام جيجيك مقولة "الحكمة تخرج من أفواه المجانين"فعالا؟