قبل أيام كنت أتسوق كالعادة في أحد المتاجر على إنستغرام، و اخترت احدى القطع بعناية ووضعت كل جهدي في التفاوض مع البائع لإنهاء صفقت الشراء وبالتوصل بالقطعة في أقرب وقت وأحسن جودة، بعد ثلاث أيام من الاتفاق تصلني القطعة عكس الصورة المعروضة لها بتأخر يومين كاملين، مع أن البائع أقسم بأن القطعة ستكون عندي في عضون يوم واحد وبجودة ممتازة، لقد استخدم القسم والحلفان لجعل عملية الشراء حقيقة غير قابلة للشك، فأصبح القسم من لحظتها اعلان عن الفعل قبل وقوعه، لكن كيف أمكن للبائع أن يأخذ الصفقة ويكسب ثقتي رغم أني لم أر منه شيء يثبت صدقه؟

ما فعله البائع يسمى في فلسفة اللغة؛ الفعل الكلامي والذي هو عنصـر مهـم فـي الكثيـر مـن الأعمـال التداوليـة، و هـو كـل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تـأثيري، يعتمـد علـى أفعـال قوليـة تسـعى إلى تحقيق أغراض إنجازية و غايات تأثيرية تخص ردود فعل المتلقي، بحيث يتم استخدام جمل أو عبارات أو حتى ايماءات واشارات تدل على القيام بالفعل أو انطلاقه بالفعل.

نظرية الأفعال الكلامية تقوم بتمييز صـنف مـن الجمـل ذات الصـيغة الخبريـة، ثـم عـرض دراسـة أوليـة لهـذه الجمـل علـى محـو هـام للفلسـفة و المنطـق، و بعـد ذلـك توسيع المفاهيم لتشمل جميع الجمـل حتـى تلـك التـي تقبـل الصـدق و الكـذب، لتصل في النهاية إلى أن جزء كبير من الكلام اليومي يحتوى على مضمون فعل بطريقة شعورية أو لا شعورية، تنقسم الأفعال الكلامية حسب أحد أهم منظريها جون سيرل ، إلى 5أقسام: 

  - الأخبـــار Assersifs.، تبلـــغ خبـــرا، وهـــي تمثيـــل للواقـــع، وتســـمى كذلك بالتأكيدات، أو الأفعال الحكمية ، وهي أفعال يمكن الحكم عليها بالصدق والكذب عند اختبارها كأن يقول أحد، قدمت لك سلعة ألمانية بجودة جيدة، يمكن التحقق من صدق أو كذبه .

 - الأوامر Directifs ، وهي تحمل المخاطب على فعل معين، يستعمل في ذلك كلمات ذات بعد تأثيري بغرض دفع الشخص للفعل، مثل القول: ادفع لي ثمن السلعة لإتمام الصفقة، فالأمر بالدفع هما هو فعل يطلق الصفقة.

- الإلزامية commissifs ، وتسمى أيضـا بأفعـال التعهـد، حيث يلتزم المتكلم بفعل شيء معين، مثل قول كلمة أقسم، أعد، اتعهد....

 - التصــريحات Expressifs ،وهــي الأفعــال التمرســية التي تعبــر عن حالة، مع شروط صدقها .

الإنجازيات أو الإدلاءاتDéclarations وتكون حين التلفظ ذاته، مثال ذلك كلمة قبلت في العقود الرسمية، أو اشتريت ، أو بعت أو تنازلت... أو الإشارات مثل المصافحة أو العناق .

كل هذه الأنواع تعتبر أفعال بمجرد النطق بها، وزم صاحبها تبعات ما يقول باعتبارها فعلا حقيقا، فعندما يقول العريس عند عقد القران كلمة أقبل فقد وقع فعل الزواج من لحظتها، والأمر نفسه عند شراء منزل لحظة قول كلمة اشتريت يكون البيت مللك بالفعل، ما يعني أن الكلمة هي الفعل، وهذا هو سبب الثقة في هذه الكلمات لأنها ليست مجرد أقوال بل سلوكيات بحمولات واقعية بالفعل، وهذا ما يجعلنا نصدق البائع حتى لو اعطى وعود كاذبة.

في رأيك إلى أي مدى يمكن أن تساعدنا نظرية الأفعال الكلامية في تنظيم تعاملاتنا مع الآخرين؟ هل تعتقد أن هذه النظرية صالحة دائما في ظل التسيب الأخلاقي وانعدام المسؤولية والثقة عند البعض؟