هل فكرت يوما في الفرق بين الحياة والعيش؟ ما معنى أن تكون حيا ومعنى أن تكون عائشاً؟ أن نكون أحياء؛ هل هذا يكفي أن نعيش أم أننا نحتاج لشيء ما لكي تكون كذلك؟
في كتابة السلطة السيادية والحياة العارية ينبهنا الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين إلى هذه المفارقة من جديد بعد أن خفت صيتها لوقت طويل، فبعودته إلى اللغة اليونانية القديمة يجد بأن معنى الحياة يؤخذ على لفضتين مختلفتين: zôè والتي تعني الحياة الطبيعية المجردة وbios والتي تعني نمط الحياة البشرية، فالأولى تدل على الحياة كسمة مشتركة بين جميع الكائنات الحية، والثانية تدل على نمط تفاعل بشري /بشري، لذلك نجد أن كلّ الكائنات الحيّة لها zôè، ومساحة الحياة لديها أوسع وأرحب من مدينة البشر وحضارتهم ، لكنّها لا تملكbios أي فن العيش ، وبالتالي لا تملك bios politikos؛ أي الحياة المدنية والمتحضرة.
بالعودة للفلسفات القديمة نجد أن أول من فرق بين الحياة والعيش بهذا المعنى هو أرسطو في كتاب النفس الذي ميز فيه بشكل واضح بين الحياة كملكة أو هبة وبين طريقة الحياة التي نسميها اليوم بالعيش، فيقول بأن الحياة هي صفة كلية لدى الحيوان و النبات بعامة، لكن العيش هي طريقة الحياة التي يتميز ويختص بها الإنسان عن غيره.
لكن يهمّنا أن نطرح هنا السؤالين التاليين: إذا كانت الحياة تعنى الهبة الوجود المحض الخالص بذاته من أنواع التطويرات الإنسانية، فما هو الفرق إذن بين الحياة والوجود؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كان العيش على هذه الدرجة من الخصوصية الإنسانية، هل يعتبر العيش بالفعل أشرف من الحياة؟ معنى ذلك إذا كان الإنسان يعيش في منظومته المدنية وبأسلوبه الحضاري المائز عن الحياة عند نظائره من الكائنات هل هذا يعد تفوقا بالفعل أم أنه مجرد تعقيد وتغطرس إنساني لا أكثر وأن بقية الكائنات لها أيضا أنظمتها الداخلية الخاصة التي تمكنها من عيش مدنيتها المختلفة عن البشر؟
في رأيك هل تعد هذه التفرقة بين الحياة والعيش نقطة فارقة بالفعل أم أنها مجرد ترف فكري لا يقدم ولا يؤخر؟
التعليقات