هل فكرت يوما في مدى بؤس هذا العالم وقسوته ووحشته، وأوصلك الحزن عليه لدرجة الفشل والاكتئاب أو الانهيار أو ربما التفكير في الانتحار؟

ألم يأت عليك يوم لعنت فيه حظك التعيس وحياتك البالية التي لم تعطك شيء مما تريد، مع أنك ترى الحياة التي تتمناها أمام عينيك يعيشها لاعبك المفضل أو ممثلتك المفضلة، أو ربما أحد أصدقاءك؟ ربما فكرت بأنك ملعون أو مغضوب عليك أو أن عينا ما قد طرقتك أو مسك سحر ما؛ وأن ما يحصل لك من تعثر وتعاسة ليس بالأمر الطبيعي؟ وأن عليك إيجاد حل ما للتخلص من حياة الشقاء هذه التي لا تمثلك ولا تشبهك بأي حال؟

قبل قرابة 2300 عام ظهرت فلسفة تشاركك هذا القلق، وتحاول إيجاد جوابا لأسئلتنا، فتقول بأن اليودايمونيا أو السعادة والراحة النفسية لا يمكننا الوصول إليها إلا إذا وصلنا مرحلة تقبل الواقع وعدم الاستسلام لرغبات وشهوات النفس ومخاوفها من الألم والمعاناة، فنحن غير قادرين على التحكم في الحياة والطبيعة الخارجة عن إرادتنا مثل الكوارث أو الأمراض والفقد مثلا لكننا قادرين على التحكم في الأمور التي تحدث داخلنا: الأفكار والعواطف، الجهل، الضعف، الخوف...كلها أشياء يمكن أن نطوعها ونتغلب عليها ونجعلها في خدمتنا وليس العكس، فإذا كنت في علاقة حب مع امرأة جميلة تخلت عنك، أو صديق غدر بك، أو ربك عمل لئيم؛ فهذا أمر خارج عن نطاق إرادتك ، لكن مازال رغم ذلك في مقدورك التحكم في مشاعر الألم والانكسار واختيار أن تبقى قوي ومتوازن، أي أنك تطوع مشاعرك وتتحكم في تأثيرها عليك.

ظهرت هذه الفلسفة لتصبح طريقة وفن في العيش تمككنا من فهم العالم والتعايش مع صعوباته وآلامه من أجل حياة أكثر هدوء وسعادة، وتبنى آراء هذه المدرسة العديد من الشخصيات الكبرى عبر التاريخ مثل الإمبراطور الروماني ماركس أوريليوس وفلاسفة من أمثال سينكا وإبكتيتوس وكتاب معاصرين مثل روبرت غرين وجي كي رولينغ، تدعونا الرواقية للاستمتاع بالحياة بكل لحظة فيها حتى وإن كانت لحظات متعبة أو مؤلمة، علينا أن نقلل ما أمكن من أثرها علينا، لكن كيف؟

تنصحنا الرواقية ببعض المبادئ التي يمكن أن نطبقها لتحقيق ذلك ونتجاوز شقاء الحياة والوصول إلى اليودايمونيا نختصرها في:

  • الطبيعة ليست خيرة أو شريرة في حد ذاتها، وحوادث الحياة ليس لها تأثير حقيقي علينا؛ بل ما يؤثر علينا فعليا هو استعدادنا النفسي الذي يجعلنا نحكم عليها ونصنفها بالخير والشر.
  • علينا ألا نفرط في الرغبات والآمال بعيدة المنال، لأنها الطريق نحو الألم والتعاسة، كلما قللنا مساحة أمالنا كلما قلت إمكانية تعرضنا للخيبة.
  • السعادة الحقيقة التي يجب أن نسعى إليها هي سعادة العقل والنفس، فلذة المعرفة هي اللذة العظمي الوحيدة التي لا يصحبها ألم، عدى ذلك كلها لذات زائفة مؤقتة.
  • علينا ألا نعاند القدر ونتقبل مالا قدرة لنا على تغيير، وفي نفس الوقت نتحكم فيما يمكننا التحكم فيه.
  • لا للخوف لأنه وهم، هو مدخل كل الآلام ولا سبيل لحياة كريمة بوجوده.

ما رأيك في هذه المبادئ؟ هل تراها قادرة على إسعافنا من الواقع المخيب الذي نعيشه اليوم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل تعتقد بأنه بإمكانك فصل ذاتك عن المؤثرات الخارجية بهذه السهولة أم هو مجرد تفكير مثالي غير قابل للتطبيق في الواقع؟