الذات الإنسانية....... كم هي محيرة في البحث عنها وغير سهل تحقيقها، لقد خلق الله كل جسد وذاته في روحه وعقله، والتي يجب عليه أن يكرمها ولا يسرف فيها ويكتشف فيها دائما ويطوّر بها، وكل ذات تختلف عن غيرها في فكرها وقدراتها وفي ما تحبه وما تكرهه وفي الكثير مما يميزها عن غيرها، ويجب على الإنسان بين الحين والآخر الجلوس والتفكير في كيفية توجيه ذاته وتعليمها وأن يكون متصالحا معها كي تساعده في تحقيق الأفضل.....
الذات الإنسانية
مرحباً رنا. موضوع الذات موضوع مثير حقاً وتكلم فيه الكثيرون قبلنا و كل يفهم الذات ( أو النفس الإنسانية) على طريقته. نحن نعلم أن الأنسان جسد ملموس و فكر عاقل ولكن ما هي الذات يا تُرى؟ يقولون أن اجتماع الروح ( الغير مادية ولا يعلم كنهها إلا الله) بالطين ولَد النفس الإنسانية و التي هل محل الحساب: الثواب و العقاب) لذلك تجدي القرآن الكريم يذكر كلمة ( النفس) قال تعالى: ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها....إلى آخر الآية. ولكن من أين تنشأ تلك النفس ومتى تنشأ؟ من معرفتي أرى أن النفس تولد وتموت ( أو ما يسمونها بالأنا أو الذات برأيك أنت) بفعل خلق الحوادث و الحياة لها خلقا متكررا. فهي تمر بدورة تنشأ فيها و تتكون ثم تعود تلك الأنا فتختفي. يعني هبي أن أنساناً في وظيفة اجتماعية مرموقة وفقدها ؟ ماذا يحدث له؟ تموت تلك الأنا المتعلقة بالوظيفة ثم تولد " أنات وهي جمع أنا" من جديد. و منشأ الذات من النظر ثم الإدراك ثم التعقل ثم الإشتهاء ثم التعلق الشديد بتحقيق الرغبات. فكل ما تموت رغبة فينا ولا نحصلها تموت تلك الذات وكل ما نحقق رغبة جديدة ونقتنصها من أنياب الزمان تتكون أنا جديدة وهكذا دواليك. و الإنسان طالما عاش ما بين ولادة ذوات أو أنات و موت ذوات أو أنات أخرى و الموضوع يطول الكلام فيه يا رنا.
هو حقا موضوع يطول شرحه، وله جوانب ومداخل عديدة، وأتفق معك أيضا في أن النفس تولد وتموت، ولكنني ما أردته هو توضيح أهمية التصالح مع الذات وإعطائها الفرصة حتى تولد كما قلت (الأنا) من جديد ولا تظل ميتة للأبد...
لكل توليد النفس أو الأنا من جديد يا رنا لابد لك أن تتشبثي بموضوع رغباتك وتتعلقي بها تعلقاً ترى الدنيا معه في كفة و رغبتك في كفة أخرى. وأولى الخطوات أن تتقبلي وضعك الراهن وما أنت عليه. أيما كان وضعك تقبليه و تصالحي معه ولا تلومي نفسك ولا تجلديها إطلاقاً. ولكن ليس معنى ذلك أن لا نعمل من أجل موضوع الرغبة. لا، علينا أن نعمل بكامل طاقتنا لندرك موضوع رغبتنا وفي خلال ذلك نعيش الحلم بأننا بالفعل قد حققناه. يعني نتمثل النجاح في الحصول على موضوع رغبتنا خلال السعي إليه.
عزيزتي رنا، إن أكثر ما يستهلكنا في طريقنا لتحقيق ذواتنا هو أننا في كثيرٍ من الأحيان نسعى لكي نفعل ما ينتظره الآخرون منا، كالأهل مثلًا، فهم في كثيرٍ من الحالات يحاولون أن يحققوا أحلامهم من خلالنا، كما لو أننا مجرد قالب، فنحتاج في البداية كضرورة إلى تجريد أنفسنا مما يحاول الآخرون في تحقيقه من خلالنا، فنحن كائنات مستقلة ولنا أحلامنا ورغباتنا الخاصة، وحتى أفكارنا، يصبح الإنسان سجينًا عندما يسعى إلى إثبات شيءٌ للآخرين، أو تحقيق ما يرغبه الآخروين، علينا أن نتجرد من كل ما يقوله الآخرون بشأن ما نرغب في أن نصبح عليه، وأن نكتشف هويتنا الخاصة ونعمل على تحقيق ذواتنا كما نريد نحن، لا كما يريدون، وأن لا نضع حدًا للأشياء التي نرغب في فعلها لأننا بمجرد أن نفعل أمرًا سنشعر بالفراغ، وأنه غير كافٍ، نحتاج إلى أن يكون دائمًا هناك ما هو لنا ومن أجلنا نحن،
هل تعتقدين أن ما ترغبين به مرتبط دومًا بما يقوله الآخرون أو يفكرون به عنكِ، وهل تجدين ضرورة في أن يكتشف الإنسان هويته والأشياء التي يريدها هو لا هم؟
وأضيفُ أيضًا إلى كلماتك يا جمال أنّنا لن نكتشف مُرادَنا هذا وما نأملُ تحقيقه إلّا بعد المحاولة ، فلا بأسَ من إخفاقٍ يتبعُه يقينٌ ومعرفة.
وبالنسبة لأثر الآخرين ، بشكل شخصي أدرك في نفسي أننّي قد أنتبه للبعض من حولي فلا أجرّدني منهم تمام التجريد، بل أجعلهم مَوضع عيني.
وذلك في الأمور التي تستوجب إرشادًا وتوجيهًا، فلا أتملص من حاجتي الدائمة للفضفضة مع أبي فيما يخص مستقبلي، ولا أجد في ذلك تسلطًا منهم أو انعدام شخصية لي بالعكس، دائمًا ما يصحبني شعور بالراحة إن اتفقت وجهتينا معًا، وإن لم نتفق يقنع أحدنا الآخر ، بحُجته ومنطقه لا فرضِه.
هذه الفلسفة رائعة جدًا، ويتفق معكِ من حسن حظكِ أن لديكِ أبًا جميلًا لا يفرض اعتقاداته بدون حجّة أو نقاش، لكن ماذا تفعل الفتاة حين يكون لها أبًا متسلطًا لا يأبه لرأيها ويريدها أن تعيش كما يريد متجاهلًا رغباتها وأهدافها؟
عندما نتعامل مع شخصية متسلطة وخاصةً لو من أقرب الناس، يجب أن نتحلى بالهدوء والصبر وتحمل النقد ونتجنب أن نكون رد فعل، ونتحدث بثقة عما نريد إثباته لهم ونأتي بآراء ومعلومات كثيرة حول الموضوع كي نساعدهم يروا الأمور من زوايا مختلفة
لكن تعلمين أن هناك الكثير من الآباء من لا يمتلكون آذانًا صاغية، ولا يسمعون إلا أصوات أفكارهم، فربما تكونين قادرة على الكلام، ومهما كان كلامكٍ منطقيًا إلا أنهم يرفضون تغيير ما يفكرون به، وهناك آباء لا يسمحون أصلًا لأبنائهم في أن يشاركوا آرائهم وكل ما على الأبناء بالنسبة لهم أن يسمعوا ويطيعوا فقط، قد يصل الشاب إلى مرحلة يستطيع فيها الاستقلال عن أهله، لكن ماذا عن الفتاة المغلوبة على أمرها والتي لا تستطيع غالبًا أن تترك البيت، كيف تحمي نفسها وطموحاتها في البيت المتعصّب؟
التعليقات