فكرت أن أكتب لها شيئا ثم تنهدت وقلت:

لا داعي لهذا، لا شيء مهم..

لأنني أكره ذلك المشهد حين تمزق فتاة كنت أحبها رسائلي وتبكي، أو ربما أكره فكرة كل ذلك الزخم من الحقيقة حين يتم نفيه في كل رسالة بتقطيعها.

قالت لي:

أنت لا تحبني.. وأنا أكرهك، أكرهك.. لعلك صدقت أنني كنت أصدق كل حماقاتك، أنا لم أصدقك يوما!

ارتعبت وسكت ولم أقل شيئا إلى اليوم.. أردت أن أكون حقيقيا هكذا كما أنا بكل العاهات التي أحملها، كنت أحاول دائما أن لا أخفي شيئا سيئا يتعلق بي، ليس لأنني أرغب في أن أكون ملاكا لكن ربما لأنني كنت أمقت فكرة أن أخاف مما يقوله عني الآخرون.. أفضل أن أكون هذا الشخص الحقير السيء على أن تراني جيّدا ثم أسخر من نفسي وأسبّها.. لكنني بعد سنوات فهمت لما لم تصدقني يوما، لقد كانت تكذب بكل براءة! كيف يمكنني أن أشرح لها.. ولما!

في كل رسالة حاجة ملحة فيَ للتعبير عن حاجتي للحب، كما كنت أعتبرها فرصة جيدة لأفضح نفسي، الناس لا يقبلون الحقيقة في سياقها العادي لكن قد يستلطفونها بل وقد يحبونها في سياق أدبي منمّق! ما أريد قوله أنني أتساءل:

عن حاجة الانسان إلى الحب والتعبير عنه، عن الفرق بينهما، وهل نحن نقصد ما نفعله في الغالب؟ لماذا اختار نيتشه سالومي ليكتب لها؟ لأنه أحبّها هي؟ أم أحبّ فيها انعتاقه من عدم فهم الآخرين له..

نيتشه مخاطبا سالومي:

"على المرء أن يواجه عناء إنعتاقه من أغلاله هو، وأخيراً على المرء أن ينعتقَ من ذلك الإنعتاق أيضاً".

ما الكتابة إلّا محاولة للانعتاق من كل شيء، لا أحد سيلوم عازف بلوز إذا ما شعر المستمع أن مقطوعته تؤجج فيه الشعور والرغبة في الانتحار.. كذلك قد لا يلومك أحد عندما تكتب، ليس لأنك تؤدي دور العازف بل لأنه لن يقرأ لك!

حاولت أن أنتهي من كل هذه الأفكار، وقلت لنفسي:

ربما نحن بحاجة إلى حضن وموسيقى أكثر من حاجتنا إلى الكلمات!

لكن هذه المرة لا أريده حضنا أعافه بعد سنوات، أعرف أن هذا سخيف، لكن أعرف أكثر أن شعور الانسان الآن يتعلق أكثر بكيف يرى كل مشاعره السابقة، الانسان ليس سوى ذكرى كأفضل تقدير..

حسن.. فليكن حضن مع الوسادة، فلتنم يا رأس التشيلو الصاخب، موسيقاك غير منتظمة.. أشعر بالعجز أن أكتب شيئا مترابطا ذو معنى أو فكرة، وأجد مبررا في رغبتي أن أصدق نيتشه في اعتقاده أن المفكر من الصعب أن يكتب شيئا جيدا، إنه يكتب أفكار الأفكار أيضا! اللعنة..