لعل رسومات الكهوف هي بداية ثمرة التفكّر والتأمل في الموجودات التي تحويها الطبيعة؛ إذ إن الطبيعة هي مادة التأمل الأولى التي استخدمها الإنسان لخلق الأفكار. وإن التفكّر والتأمل هما جوهر عملية "التفلسف" كما أحب أن أسميها، فالفلسفة- وهي محبة الحكمة- تتأتّى نتيجة عملية "التفلسف"، وهي مرحلة أولى يتم فيها إذكاء الأسئلة وبنائها في قشرة الدماغ الأمامية، وتعد مرحلة جنينية أولى تتسم بخطورة إجهاض الفكرة الأولية التي تحاول النمو في الدماغ لتبصر النور فيما بعد، إذ إن هذه المرحلة مليئة بمدخلات الحواس التي لا يمكن تنظيمها، وهي أسئلة قد تراود أي طفل، مثل لماذا السماء زرقاء؟ .. أو لماذا القطط تسير على أربع قوائم؟ .. ولماذا الليمون حامض المذاق؟ .. كلها أسئلة طفولية وفضولية تتشكل من مدخلات الحواس المختلفة كالإبصار والشم والتذوق واللمس، وإذا ما توقفنا عندها و أمعنا النظر فيها سنجد أنها أسئلة أسلافنا البدائيين، ولربما أرّقت فكرهم منذ عصور، إن هذه الأسئلة التي لا تحصى هي عملية "التفلسف"، ولذا قيل أن أهم الفلاسفة هم الأطفال، لأنهم يطرحون التساؤلات طوال الوقت وخلايا دماغهم دائماً منهمكة بجمع وتحليل مدخلات الحواس المختلفة، وغريزة الفضول دائماً مثارة لديهم، وإذا كان هذا حال الإنسان الأول إذن نحن جميعاً فلاسفة بالوراثة أولاً -عن أسلافنا الذين وضعوا الأسئلة حول العالم والكون والكائنات الحية وحاول أبناؤهم من بعدهم الإجابة عليها تباعاً، ولا زالت المحاولات قائمة-، كما أننا فلاسفة بالفطرة ثانياً إذ أننا نولد بالفضول الأول ومن ثم نبدأ بالتخلص منها ما أن يتم تنميطنا ومنحنا الإجابات.

وإن الإجابات المتراكمة والتي تتوارثها البشرية و تتناقلها فيما بينها هي العلم، وللعلم اختصاصات، وبما أن أصل الإجابات هي عملية التفلسف عُدت الفلسفة أم المعارف حتى المعارف الإنسانية كعلم الاجتماع، وإن تراكم المعارف والعلوم ما هو إلا نتاج عملية التفكّر البسيطة التي ذكرناها في بداية الحديث، إذن فإن العلم هو وليد العقل البشري المعقد. 

بعد هذا التقدم العلمي المهول فهل وصل العلم إلى الشيخوخة، هل سيفقد لمعانه لأننا قد نكون شارفنا على ختم الأسئلة، أم أن بعض الإجابات الثورية، كتمدد الكون، قد تتمخض عنها أسئلة أعظم وأعمق وأعقد لم يسبق أن تساءل عنها بشر؟؟