إذا كنت من المهتمين بالفلسفة، فلا شك في أنك قابلت مصطلح (الكوميديا)، وهو ما يعبر عن الكوميديا السوداء، حيثُ يُنفى الوطني، ويُعاقب البريء، ويُكرَّم الكاذب، ويُصفَّق للأحمق، وينتصر التافه، ويوصف العالِم بضمور الإدراك، إنها المهزلة!، ومن من محبي الفلسفة والأدب لم تصعد عيناه على قصائد (دانتي ألجيري) في مؤلفه العتيق (الكوميديا الإلهية)، يقول بيل غيتس "هذه الحياة غير عادلة..فلتعود نفسك على ذلك".

شغلتني قضية العدالة، إنها مخيفة بعض الشيء عند البعض، لعلها كذلك لمساسها ببعض الثوابت، خصصت وقت لتأليف مخطوطة روائية سميتها (المهزلة) منذ بضعة أشهر، حصلت على المركز الأول في التأليف الروائي على مستوى جامعة الإسكندرية، إنني أبحث عن مفهوم للعدالة، مفهوم جامع يفسر هذه الكلمة تفسيرًا مانعًا، ولقد رأيت أننا نتعامل مع العدالة بمنظورين (مقياسين).

المقياس الأول لرؤية العدالة

رؤيتها رؤية عقلية محضة، أي أننا نحاول ملاحظتها في الحياة بشكل مباشر، وفي هذه الرؤية نصاب بالإحباط، والسخط، وأننا نأخذ على هذا العالم ما فيه من إهمال للعدالة، حيث تكلل العديد من المساعي بالفشل، وتنتهي العديد من الجهود إلى الصفر، والنهايات المأساوية للرموز الإنسانية التي مثَّلت محاولات حقيقية لتغيير حياة الناس إلى حيث تصبح أكثر عدالة.

المقياس الثاني لرؤية العدالة

الإيمان بأننا نجهل مكامنها، وأننا لا يسع عقلنا المحدود أن يُدرك الأحوال الهائلة التي لا تقتصر على أحوال البشر فحسب، وإنما على الكون الكامل – إذ نحنُ نتاجًا كاملًا لما يحدث فيه من تفاعلات كيميائية وفيزيائة – أي أننا يمكننا الإيمان بوجود عدالة، غير أننا لا نستطيع إدراكها.

ما هي العدالة؟

العدالة بالنسبة لي مفهوم شامل يرتبط بالكون منذ نشأته، فإذا اقتضت ظروفه الكيميائية والفيزيائية للكون – بالأساس ومن الأصل – أن تتحقق العدالة مع الكائنات التي تعيش فيه – وما حققه فيهم من خواص الإدراك والإحساس - صار كون عادل، وإذا كان العكس فهو كون ظالم، أما إذا اعتبرناه استمرار حتمي لقوانين الطبيعة التي تدفع بعضها بعضًا بصورة عمياء فهو في المنتصف كون لا يكترث بالعدالة ولا يعلم ما هي أصلًا (الفلسفة العبثية)، وتصبح العدالة وفقًا لارتباطها بالكون الكلي مفهوم صوفي يرتبط بالأبعاد اللا متناهية للحياة، وهو يسير جنبًا إلى جنب مع مفهوم (الإله)، فمن أسماءه الحُسنى (العدل) وليس (العادل)، والفارق أنه ليس القائم بتحقيق العدالة، لكنه هو نفسه (العدالة)، فإذا آمنا به آمنا بالعدالة، إذ نحن لا نراه – جل جلاله – بالملاحظة المباشرة المبنية على العقل وحده، وبالتالي لن نرى العدالة أيضًا بنفس هذه الملاحظة المباشرة.

والآن دعني أسألك .. ما هي العدالة؟

هل تؤمن بأنها موجودة في الحياة؟