لماذا يتحدث إلي بهذا الأسلوب؟.. هو دائما هكذا!
يبدو أن بداخله أمورًا كثيرة تؤثر عليه نفسيا.. كما لو كان محبطا.
وهل علي أن أفسر تصرفات كل إنسان على أساس أن لديه دوافع وحالة نفسية تجعله يسيء معاملته مع الناس؟!
إلى هنا انتهى الحوار بين صديقتين، كانت الأولى تعبر لصديقتها عن انزعاجها من أسلوب زميل لها في التعامل معها.. توقفت عند الجملة الأخيرة ... رأيت أنها على حق.. هل علي أن أبرر لكل إنسان ما يفعله لمجرد أن عنده ظروفا سيئة أو حالة معينة تدفعه إلى التصرف بشكل سلبي مع الآخرين؟
هذا النموذج الانفعالي من البشر الذي يصب غضبه وانزعاجه باستمرار على الآخرين يستحق وقفة.. منذ سنوات كانت لنا زميلة في العمل هي الأكبر سنا من بيننا، إذ كانت تكبرنا بنحو ثلاث أو خمس عشرة سنة- وقد يكون لفارق السن أثر في تعاملنا معها- كانت سريعة الغضب، سهلة الاستفزاز جدا، وفي غضبها كانت تتجاوز كثيرا، وكان الكثير من الزملاء يتجنبون إغضابها خوفا من انفعالاتها غير المحسوبة، على الرغم من أن أنها كانت في أحوالها العادية إنسانة ودودة ولطيفة جدا... لكنني كنت ألاحظ في حديثها تكرارها لكلمات مثل: أنا عصبية... عندما أغضب لا أرى أمامي.. هم لا يعرفون وجهي الآخر... وما إلى ذلك. كانت تذكر ذلك لا على سبيل الضيق والتبرم من هذه الخصلة أو الندم لعواقبها، ولكنها كانت تذكرها كشيء أصيل في تكوينها، بل كانت تتباهى كثيرا أنها انفعلت على فلان ولقنته درسا لن ينساه، ولولا ذلك لما استطاعت أن تنال حقها منه كاملا.. لا أحد يستطيع أن يأكل حقي أو يتجاوز معي بكلمة أو تصرف.. أنا قوية.. وهكذا... كلماتها هذه يمكن أن تفسر لنا سلوك هذا النمط من الشخصيات، وتفسر أيضا سر استمرارهم بالتصرف على هذا النحو رغم عواقبه السيئة عليهم وعلى الآخرين.. هم ببساطة يرون أن هذا الأسلوب نتيجة لأمر أصيل في شخصيتهم.. هم سريعو الغضب .. خُلقوا هكذا.. ما باليد حيلة.. أنتم من يجب عليكم تجنب إغضابنا، وليس نحن من يجب علينا تعديل سلوكنا!
الأمر الآخر أنهم وجدوا في هذا الأسلوب نتائج جيدة بالنسبة لهم.. فمعظم الناس يتحاشونهم ويحترمونهم- وإن كان احتراما ظاهريا أو مجرد تجنب لأذاهم- كما أنهم ينالون ما يريدون بهذه الطريقة بسهولة.. فلم لا يستمرون هكذا إلى ما لا نهاية؟
فكرة أن يكون هناك أشخاص سريعو الغضب والاستفزاز بالطبيعة هو أمر وارد.. ولكن هل هذا الأمر خارج عن إرادتهم تماما؟.. هل فعلا يعميهم العضب في كل موقف ومع كل إنسان؟.. لا . ليس الأمر هكذا في كل وقت، بدليل أنهم يملكون أنفسهم أمام مدير مستفز مثلا، أو أمام شخص هم بحاجة إليه... هم فقط يفقدون أعصابهم ويسيئون على هذا النحو مع من يضمنون سكوتهم، ويتوقعون ردود أفعالهم.. هل سلوكهم هذا غير قابل للتعديل تماما؟ .. قابل للتعديل بالتأكيد: فـ"العلم بالتعلم والحلم بالتحلم" .. أي أن الحلم سلوك مكتسب .. فقط إذا شعر الإنسان أنه يريد تغيير هذا، ولا يستمرئ الاستمرار على هذا النحو .. أيضا على الآخرين أن يفقدوه المكاسب التي يحظى بها كلما غضب عليهم.. رفض الناس لهم كفيل بجعلهم يستفيقون ويفكرون في تصحيح المسار، ولا يظلون يرددون أنا غاضب الآن... تعامل معي لاحقًا.
التعليقات