الزمن ليس ساعةً تدقّ على الجدار، ولا عقارب تدور بانتظام. الزمن نهرٌ سريّ، يجري في أعماقنا، يحملنا من طفولتنا إلى شيخوختنا، دون أن يمنحنا فرصة للعودة إلى المنبع. نحن لا نعيش في الزمن، بل الزمن هو الذي يعيش فينا، يتشكل في الذاكرة، في الندم، في الحنين، وفي الأمل.

كل لحظة تمرّ لا يمكن أن تُستعاد، لكنها أيضاً لا تموت. فهي تظل محفوظة في مكان خفيّ اسمه "الذاكرة". لهذا السبب، الماضي ليس شيئاً انقضى، بل هو ما نصبحه. نحن، في الحقيقة، كائنات مكوّنة من أزمنة: قليل من الماضي، ظلّ من الحاضر، ونصف حلمٍ من المستقبل.

الزمن أيضاً معلم قاسٍ وعادل في آنٍ واحد. فهو الذي يعلّمنا أن الجرح يلتئم، وأن الفرح يزول، وأن كل شيء مؤقت. في قسوته يكمن عدله: لو دام الألم لأهلكنا، ولو دام الفرح لأفقدنا معناه. الزمن يمنح كل لحظة قيمتها بالزوال.

ومع ذلك، يظل الإنسان يحاول خداع الزمن. يخزّن الصور، يكتب الكتب، يبني المدن، وكأنه يريد أن يقول للزمن: "لن تنتصر عليّ". لكن الحقيقة أن الزمن لا يُهزم، كل ما نستطيع فعله هو أن نترك فيه أثراً جميلاً، علامة صغيرة تقول إننا كنا هنا.

الزمن ليس عدواً، بل رفيق طريق. حين نتوقف عن مقاومته ونتعلم أن نسير معه، نكتشف أن كل لحظة هدية. أن اللحظة التي نعيشها الآن هي أغلى ما نملك، لأنها وحدها حقيقية. الماضي انتهى، والمستقبل لم يأتِ بعد، وما بينهما لا يخصّنا إلا هذا "الآن".