في غرفة متهالكة، دقت عقارب الساعة القديمة معلنة عن بداية روتين اعتدته هاته الأيام، وكأن الوقت حلقة مسجلة لا تكاد تنتهي حتى يُعاد بثها.استيقظت من سريري -الذي أصدر صريرا بدا وكأنه يتذمر - اتجهت بخطوات متثاقلة،وأنا أدندن وقع أقدامي بعبثية.لا أدري إلى أين؛فكل الاتجاهات متماثلة وتقود إلى نفس الحدث، يبدو الواقع منفصلا عني، وكأنني معزول في لوحة قديمة منسية.أراني أسير لكنني لا استشعر سوى رمادية الأشياء حولي.وبينما كنت غارقا في نشوة اللاشعور، أثار ذهني تساؤل مفاجئ؛ هل السعادة بتلك الأهمية؟هل يُقاس عمر الإنسان بكمية السعادة التي عاشها؟! ألا يمكنه أن يكون مجرد حلم عابر يُطوى وتهوي به الصروف إلى ما مضى. هل يجب أن يبقى الأثر؟ استفقت من شرودي على دندنة الصحن ابتسمت بسخرية على حالي، لم أدرك متى أخذت موقعي على طاولة الأكل. تبدو الاطباق متشابهة،والوجوه المألوفة كأنها أطياف باهتة. لم يتسم كل ما حولي بالرمادية؟
هلوسة مبعثرة
في اعتقادي أن عمر الإنسان لا يُقاس فقط بمقدار السعادة التي يحصل عليها، ففي العادة تكون تلك السعادة شعور خاص به هو فقط، لكن يمكن أن يقاس عمر الإنسان بما أضافه للحياة والآثر الطيب الذي تركه في حياة ونفوس الناس والمحيطين به.
أما حين تصبح الحياة رمادية فذلك قد يكون سببه الإصابة بالملل المزمن فكل شيء يصبح حينها إما مُعاد أو معتاد، كما يمكن أن يكون للحزن أو الاكتئاب يدًا في الأمر.
أحيانًا لا تكون المشكلة في غياب السعادة، بل في تعلّقنا بصورة مثالية لها، كأننا نرفض أن نعترف بأن الرتابة جزء من الحياة، وأن الشعور بالفراغ أو الحيرة ليس عيبًا فينا، بل دليل على وعينا بما حولنا. ربما لا يُقاس عمر الإنسان بكمية السعادة التي عاشها، بل بقدرته على أن يصمد في الرمادي، أن يستمر رغم غياب المعنى الواضح. فالحياة ليست لوحة مشرقة دائمًا، لكنها تبقى حياة.
تجسد قصتك حالة مألوفة لدى كثير من الناس حين يغوصون في دوامة الروتين ويشعرون بأن حياتهم فقدت ألوانها وحيويتها هذا الإحساس بالرمادية والانفصال عن الذات يدفعنا أحيانًا إلى التساؤل عن قيمة السعادة وعمق تأثيرنا في العالم من حولنا وربما تكون هذه اللحظات بداية لبحث جديد عن معنى أعمق للحياة وعن طرق لإعادة إشعال الحماس والفرح برأيي التأمل ومواجهة هذه المشاعر بصراحة هما الخطوة الأولى للخروج من هذا الجمود النفسي واستعادة الرغبة في العيش بوعي وحيوية
التعليقات