جلسَ عامرُ فوق عتبةِ المنزلِ القديم، يحدّق في صندوقٍ خشبيٍّ صغير عثر عليه بين أكوام الغبار في علية بيت جدّه الراحل. كان الصندوق مطليًّا بلون بني داكن، تتناثر فوقه بقع من الزمن، ومُقفلًا بمشبكٍ صدئ كاد ينهار بين أصابعه المرتجفة. فتحه بحذر، لتتطاير منه رائحة الورق العتيق والماضي البعيد.

كانت داخله رسائل صفراء، حوافها مهترئة كأنها نجت بصعوبة من حريق قديم، وكل واحدة منها مختومة بالشمع الأحمر، تحمل توقيعًا باسمٍ واحد: ليلى

لم يكن في عائلته من تُدعى ليلى، ولم يسمع بهذا الاسم يومًا بين حكايات الأجداد. قلب الرسالة الأولى، وبدأ يقرأ:

"إلى حبيبي الذي غاب ولم يعد، إلى الذي وعدني بسماء لا تنطفئ نجومها، وأهداني قلبًا لم أعرف أين ضاع..."

كانت الكلمات تنبض بشيء غامض، مزيج من الحزن والانتظار، وكأنها كتبت ولم تصل أبدًا إلى من كُتبت له. تابع قراءة الرسائل واحدة تلو الأخرى، لتكشف له عن قصة حبٍّ مخنوقةٍ بين سطور الماضي، عن شوقٍ امتد لسنوات ولم يجد سبيلًا للتحقق.

في آخر رسالة، كُتبت عبارة أخيرة بخطٍّ مختلف، أقرب إلى الهذيان:

"انتظرتك حتى صارت الشمس شاهدة على خوفي، والقمر يسمع شكواي، والريح تحمل آهاتي... لكنك لم تأتِ."

أسند عامر ظهره إلى الجدار البارد، وهو يتساءل: من كانت ليلى؟ ولماذا لم تصل رسائلها أبدًا؟ أم أنها وصلت متأخرةً، كما كل شيء في هذه الحياة؟

وأنت هل لديك رسائل بالية مجهولة؟