من خلال تواجدي هنا و متابعتي لما يُطرح رأيت الكثير يعتمد الراوية كمرجع للحكم على القضايا و يستشهد بها . أنا لست ضد الروايات وقرأت الكثير منها . لكن الرواية لا يمكن ان تقارن بالكتاب بأي حال من الأحوال .
قضلاً لا ترفعوا الرواية لمستوى الكتاب
من السهل الانجرار وراء قوة سرد الرواية وقدرتها على التأثير العاطفي، لكن الاعتماد عليها كمصدر للحكم على قضايا معقدة من وجهة نظري المتواضعة يُعدّ مشكلة. الروايات، مهما بلغت روعتها، تبقى أعمالاً إبداعية تعبر عن رؤى شخصية وتجارب محددة، وليست دراسات علمية أو وثائق تاريخية. بينما تقدم الكتب – بخاصة تلك الأكاديمية والبحثية – أطرًا تحليلية أكثر موضوعية، و تستند إلى أدلة ومراجع، مما يُمكنها من تقديم فهم أعمق وأكثر دقة للقضايا المعنية. لكن هذا لا يعني نبذ الروايات كلياً، فهي تُثري فهمنا للخبرات الإنسانية وتُوسّع مداركنا لكونها قد تعكس بشكل أو بآخر رؤية الكاتب حول موضوع بعينه كما أن الرواية قد تقدم ميزة متفوقة قد لا تقدمها الكتب وهي ميزة الشرح والتبسيط لموضوع معقد فمثلاً يمكن للرواية تبسيط مفهوم معقد في ميكانيكا الكم بشكل ميسر لا يمكن للكتاب تبسيطه، فالحدوته دوماً أقرب للعقل البشري في تقديم أو تبسيط المعلومة حيث تقدمها بشكل (غير مباش) في حين تعجز الكتب التي تتجه للتعليم المباشر عن تحقيق نفس النتيجة . لكن من الضروري التمييز بين الاستمتاع بقراءة رواية وبين استخدامها كمرجع لإصدار أحكام على قضايا تستدعي تحليلاً دقيقاً وموضوعياً.
نقطة أخيرة مهمة أعتقد أنه خانك الأسلوب عندما طلبت هذا الأمر بتلك الطريقة :
قضلاً لا ترفعوا الرواية لمستوى الكتاب
طالما أنك أعلنت بنهاية الفقرة إنك لست ضد الرواية بشكل واضح لأنه كم الواضح تحيزك الشديد لفكرتك (مع خالص التقدير لرأيك)
حياك الله اخي...
تتنوع دوافع القراءة بين طلب المعرفة والتمتع بجمال النص، لكن المهمة الأسمى للقراءة هي الوصول إلى الحقائق الجوهرية المتناغمة مع المقاصد الربانية السامية . فهذه الحقائق تشكل درعاً واقياً للعقل من الانزلاق في متاهات فكرية قد تقود إلى تبني تفسيرات سطحية للأمور.
بنظري تبدأ الرحلة الحقيقية للقارئ عندما يمتلك الشجاعة في انتقاء ما يقرأ، باحثاً عن المعرفة الموثوقة أولاً . فهذه المعرفة ستمنحه أدوات التحليل العميق والنقد البناء، وتؤهله لبناء روابط معرفية متينة بين مختلف العلوم والأفكار. بهذا يصبح العقل قادراً على تقديم البراهين المنطقية وتحليل القضايا بموضوعية ودقة.
لا يمكن إنكار قيمة الأدب الروائي اتفق معك تماماً اخي في ذلك ، وكما تفضلت فهو يثري اللغة ويوسع آفاق الخيال ويفتح نوافذ على ثقافات العالم. لكن تظل الكتب المعرفية والفكرية في مرتبة أعلى لما تقدمه من أسس راسخة للفهم والإدراك.
الكتاب ليس مرجعا حياتيا وكذلك الرواية، لكن الرواية تقدم صورا من الحياة نفسها بمشاعر متناقضة من الممكن أن تتماس مع اي شخص، لكن ليس معناه أنها مرجعية لأفعالة، هي عرض درامي للفعل والنتيجة وأؤكد على "درامي"
من الممكن أن تكون مرجعا لأفعالك ولكن ليس أصلا للفعل
شخصياتها ليست حقيقية، فأفعالهم ليست حقيقية بنسبة 100%
أما الكتب فيجب أن لا تكون مرجعا نهائيا أيضا للحكم على القضايا، لا نقدر أن ننفي أن "نيتشه" فيلسوف عظيم ، وله "كتب"عظيمة، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون "كتابه" مرجعا
هناك مآخذ على الكتب أيضاً أخي العزيز، فالكتب وهي تتسم بالجدية يجعل ذلك خطرها أعظم إذا كان الموجود بها لا يستند على منطق صحيح، فهذا المظهر الجاد للكتاب يجعل القارىء يعتمد أن ما يوجد فيه لابد أن يكون صحيحاً وصالح للتطبيق والحكم العملي، في حين أن كتب مثل تلك تكون نادرة وتخصصية، وتصلح في بعض الأحوال وليس كل الأحوال.
لكن أليس من مسؤولية القارئ أن يتحلى بالنقد والتحليل لما يقرأه، بدلاً من التسليم الكامل بكل ما هو مكتوب؟
هي بالتأكيد مسؤولية القارىء، ويسري ذلك على الكتاب والرواية، لكن الكتب تعطي إحساس عام بالمصداقية والجدية، لذلك الحذر منها أوجب عن الرواية التي نعلم كلنا إنها لابد من خيال المؤلف.
أتفق معك أن الكتب تحمل طابعًا من الجدية يُلزم القارئ بقدر أكبر من الحذر في التلقي. لكن ربما يكمن التحدي الأكبر في القدرة على التمييز بين المعلومات التي تستند إلى بحث علمي أو تجربة واقعية، وتلك التي تعتمد على وجهة نظر الكاتب فقط.
لا يكون الأمر سهلاً في كتب كثيرة، خصوصاً إذا قدم الكاتب الدليل والبرهان والأبحاث العلمية المؤيدة لرأيه، لكن يتطلب الأمر من القارىء شك متواصل في كل ما يقرأ وبحث كثير وقراءة أكثر حتى يصل القارىء لمعرفة ظروف تجربة المؤلف وحياد عيّنات أبحاثه، خصوصاً لو كان الكاتب نفسه مؤمن جداً بما يكتب ووقع في مغالطات بدون أن ينتبه.
أختلف معك في هذه النقطة. ليس من الضروري أن نعيش في حالة شك دائم تجاه كل ما نقرأ. الكتابات العلمية المدعومة بالأدلة تكون غالبًا نتاج بحث طويل ودقيق، ويمكننا أن نعتمد عليها طالما كانت مصادرها موثوقة. بدلاً من التشكيك المستمر، من الأفضل أن نتحقق من المصادر ونحكم بناءً على المعلومات المتاحة، دون الوقوع في فخ الشك الذي قد يعيقنا عن التقدم.
مساء الخير اختي سمر .... من تبعات التقدير الزائد للرواية ثم تشكيل البنية الفكرية اعتماداً عليها هو انتاجها لهذه العقليات الجامحة للخيال ذات القدرات اللغوية الهائلة المستعدة للجدل و المحاججة والتشكيك في كل شيء ، أذ تعتبر مايمكن أن نسحبه على محتوى الرواية من نقد فضاض و تأويلات عديدة و تشكيك مستمر ينطبق أيضاً على الكتب . وهذا هو جوهر القضية التى اقصدها ( فضلاً لا ترفعوا الرواية لمستوى الكتاب ) . الاخ حمادة حسني اجاد وأفاد في الرد و التوضيح .
التعليقات