ربما كان تعذر ظهور الفيلسوف النسقي العظيم راجعا إلى أن النظر إلى التفلسف - الذي هو في أصله قول شخصي متفرد - مافتئ يعتبر قولا ينبغي أن يراعي إجماع أهل الحل والعقد في جموع المسلمين.
ولو تعاطى محبُّ الحكمة الفلسفةٓ بهذا اللحاظ فلن ينتج سوى فلسفة اجترارية تقوم على تبرير ما أجمع عليه أهل البيان.
وإذا كانت الفلسفة بوجه ما، هي خروج عن المألوف الذي بانت محدوديته، ونقد للسائد الذي فشى قصوره، فإن الفيلسوف سيخشى على نفسه أن يجهر بأفكاره الجديدة التي ستخالف حتما الإجماع المتعارف عليه.
وبالتالي لن تظهر فلسفته للوجود، ولن تشكل أفكاره بذورا لتخصيب حقل الإمكان الفلسفي في المجال التداولي العربي.
إن الأفكار التي كان يمكن للفيلسوف أن يعبر عنها بشكل مبكر ومبتكر سوف تحتاج إلى قرون حتى تنضج في المجتمع ويتهيأ لها الواقع بالقابلية للاستقبال، وللتفاعل الإيجابي معها.
ويكمن الحل في نظري في ضرورة فتح ما أسميه "ديوان العموم"، وهو منصة كبرى للتواصل في المجال التداولي الفكري العام، وجعل هذا الديوان (على المستوى العربي وطنا ولغة) مقننا بشروط منها: التواصل العقلاني غير الانفعالي، والديمقراطية في الإدارة والتسيير ، وقبول التنوع والاختلاف، تحت كلية مقصدية هي "رحمة الاختلاف".
الاختلاف سبيل للتعارف والتعاون ومظهر للرحمة الإلهية.
الاختلاف ليس تهديدا.
التعليقات