قد لمعت عيناه، لا لم تلمعا حماسةً ولم تنتفض يمناه بالعزم، قد أسند رأسه إلى مكتبه ونظر إلى أسفل، إلى مستوى رؤيته وأدرك أن هناك أشياء لا يمكن أن نصل إليها، لا يجب أن نحلم بها أصلاً، كأنها كتب عليها ممنوع التخيل أو التصور!
قد لمعت عيناه !
أدرك أن هناك أشياء لا يمكن أن نصل إليها، لا يجب أن نحلم بها أصلاً، كأنها كتب عليها ممنوع التخيل أو التصور!
ولكن ما المشكلة في هذا؟ أيحصل أي إنسان على كل شيء؟ أو على كل شيء نريده؟
الحياة هي أن نتقبل ما نصل إليه وكذلك ما لا نصل إليه. وهي أن نتقبل الأشياء المقابلة لنا وكذلك تلك البعيدة التي سنراها دومًا من وراء ستار. والتقبل عملية صعبة لكنها ضرورية والنظر بواقعية يجعل الإنسان متصالحًا مع هذه الفكرة وينظر إليها الأشياء التي يمكنه الحصول عليها بالفعل ويسعى لها
بالإضافة لما ذكرتي أمنية، فإن أهم معايير تحقيق الأهداف هو أن تكون قابلة للتحقيق، وبالتالي يكون من الجيد أن نعرف أن ما نحلم به أصلا ممكن أو ممنوع التخيل، هذا يجعلنا نوظف مهاراتنا بالجانب الصحيح دون إهدار وقت وجهد في شيء مستحيل يتحقق.
بالضبط، وهناك نقطة يمكنني أن أضيفها هنا أننا عندما نرى مثلاً شخصا قد حقق هدفًا مستحيلًا فإننا من ناحية لا نرى العوامل الكثيرة التي ساعدته من البيئة والمميزات وخلافه
وأيضًا لا نرى آلاف الأشخاص الذين حاولوا وفشلوا فنحن ننظر للمثل الناجح فقط، ويجب علينا كما نحلم بواقعية أن ننظر للنماذج المتواجدة بواقعية أيضًا
يمكنني تفسير ذلك بطريقتين، الأول إحباط ويأس ربما نتيجة لإخفاقات متعددة، يصل بعدها الشخص لمرحلة من فقدان الثقة وانعدام الرغبة في السعي، وتصبح أهدافه كلها صعبة المنال ومجرد أحلام بعيدة في الأفق. الطريقة الثانية، أن بعض الأحلام قد تكون غير واقعية فعلًا بالنسبة لقدرات الشخص ومقوماته، لذا؛ الحكم هنا يعود لفكرة نوع الحلم نفسه، هل هو مجرد خيال غير منطقي، أم يمكن تحقيقه واقعيًا ولكن يحتاج إلى مجهود وسعي ربما لسنوات عديدة؟
كنت أناقش أبي وأتجادل معه في نقطة مشابهة تقريبا: هو يقول بأن الإنسان مصير وليس مخيّر وأنني لا يجب أن أقحم نفسي بالعمل لساعات طويلة ويجب أن أرتاح لأنني مهما فعلت فسأصل إلى نقطة معينة.
أخبرته بأنني أقتنع تماما بأن الإنسان مخير فيما صُيّر له وأن القدر قد يتغير إذا حاولت بتطوير نفسك والخروج بها من الدوامات والأعاصير البشرية.
لذلك يجب أن أحلم وأعمل حتى أغير حلمي فالقمر يبدو بعيدا لك وأنت على سطح الأرض لكن لو ارتديت منظارا فستراه بوضوح ولو ركبت مركبة فضاء وذهبت لرؤيته بالفعل فسترى حجمه أكبر وأكبر.
يمكنني أن أضيف نقطة لكلامك، كلًا يرى إجابة السؤال الوجودي: مُسيَّر أم مُخيّرَ؟ حسب معتقداته وتجربته الحياتية، قد يبدأ أحد حياته بقرار أنه مخير فيما يمكن الاختيار فيه، وبسبب تقلبات الحياة وعدم قدرته على التكيف والمواكبة، تجد أنه استسلم لفكرة أنه مُسيَّر فقط، الأمر أيضًا مرتبط جدًا بمعتقداتك وما تؤمن به لأنه يؤثر على طريقة إدراكك للمواقف المحيطة، وعليه تختلف طريقة استجابتك.
كما قلتي فالأمر يعود إلى انهزاميتك أم إصرارك.
لكننا للأسف لدينا شماعات كثيرة نعلق عليها أي مشكلة قد تحدث لنا ولا نريد مواجهتها.
لا أفترض هنا أن انهزامية معبرة جدًا وخصوصًا في بعض المواقف، مثلًا البلدان التي تعاني مجاعات وحروب وتشهد أسوأ أنواع الظروف الإنسانية، مهما بلغ إصرار الشخص هناك، لا يمكن ألا يتخلله شعور باليأس والرغبة في الاستسلام، حتى لو كان ذلك لفترة وجيزة أو طويلة، المقصود أنه مهما بلغت قوتك وإصرارك، قد تأتي مواقف تدمر عوامل القوة والأمان، لا يزال لديك القدرة على اختيار موقفك بالطبع، ولكن مهما كان وصفه بالانهزامية غير دقيق، ربما تراجع فقط.
التعليقات