في الصباح الباكر نهضت لين تستعد للذهاب لعملها بعد أن أوقظها زوجها قبل دقائق ، ليتهيأ للعمل، ويوصلها هاته المرة بسيارته ، أمام مقر عملها ، ويمضي حيث عمله.

لتدلف للداخل ، وهي تتابع بعض الملفات بين يديها ، وتتوقف أمام المصعد وتركب به ، وهي لا زلت منغمسة في مراجعة أوراقها .

وتخرج بعدما وصلت حيث تبغي ، متوجهه نحو مكتبها ، وتلقي تحية الصباح علي من تصادفه في طريقها

ولكنها توقفت قبل دلوفها لمكتبها بعد أن جذب إنتباها الضيق الواضح علي وجه إحدي زميلات العمل ، وما أن وقعت عيناي لين عليها حتي رسمت إبتسامة مغصوبة علي وجهها وهي تؤمي برأسها تحيي لين تحية الصباح ، لتبادلها لين وهي تؤمي برأسها هي الأخري وتدلف للداخل.

مضت ساعتين ، وتممت بها علي بعض المهام التي كلف بها بعض الموظفين ، وكان من بينهم تلك الزميلة ، لتلاحظ أيضًا قبضة يدها المتكورة بقوة ، وكأنها تلجم مشاعر الغضب بداخلها لتطلب لين منها الجلوس ، وتسكب لها بعض المياه الباردة التي تساعد علي الإنتعاش ، ولكن في حالتها هذه ستطفئ نيران الغضب الكاظمة إياها.

لتتناول منها الكوب ، مرتشفة إياه دفعة واحدة ، لتخفض لين نظرها علها لا تحرج من فعلتها متحججة تصفح الأوراق ، وبالفعل بدت الزميلة محرجة ، وهي تمسح المياه عن فمها بأطراف ثوبها لتتنحنح بحرج وهي تسأل لين قائلة:

الزميلة: أستاذة لين هل كل شيء علي ما يرام؟

لتؤمي برأسها وهي تطالعها ببسمة مجيبة لين: أجل ، ولكن هل أنتِ بخير؟

الزميلة: بالحقيقة لست بخير، ولكن لا بأس سيمضي هذ....

بترت لين أخر جملتها لين: يمكنكِ التحدث معي فيما يثير غضبكِ ، إن لم تريدي لا بأس أنا فقط أحاول مساعدتكِ .

الزميلة : في الواقع أود وبشدة ، ولكنني لم أكن أجد من يهمه أمر سماعي ، ولا يوجد أفضل منكِ مستمعٍأ أو مفكرًا بالحلول ، علي كل حال سأحادثكِ اليوم بعد العمل ، فكما تعرفين الجميع منشغلًا للتفرغ لأجازة العيد

لتوافقها لين الرأي وهي تقول: معكي حق ، ولكن سأنتظرك مكالمتكِ ، ففالبيت لسنا منشغلين .

لتبتسم ليها الزميلة وهي ممتنة وتخرج بينما لين تعمل علي ما ينصب أمامها من أوراق ، وبينما هي تنهي أخر ملف يأتيها مكالمة من زوجها العزيز ( مراد) يخبرها عن عودته مبكرًا اليوم من عمله ، ورغبته في الإفطار خارجًا .

مراد:( أهلا عزيزتي ، كيف حال العمل معكي اليوم؟)

لين: (أهلا عزيزي ، علي ما يرام، وأنت؟)

مراد: (جيد ، أنتهيت لتو منه ، وكنت أفكر لو يمكننا الإفطار خارجًا اليوم)

لين : (وأنا أنتهيت أيضًا ، ولكن غير متعهود إنهاء عملك مبكرًا عزيزي) قالت أخر جملتها بقهقه بينما خارج صوتها متعجبًا .

مراد: (كان هناك القليل فقط ،هل أمر أخذكي للمنزل؟ )

لين:( أجل في إنتظارك)

مراد:( حسنا)

ليغلق بعدها الخط وتنهي أخر أوراقها ، لتجمع أشيائها ، وأحد الملفات ، وتخرج حيث مكتب مالك الشركة لتسلمه الملف المطلوب ، ولكنه كان قد غادر كان هذا رد مساعدة المالك ، تؤمي لها لين ، وتمضي للخارج تنتنظر مراد في مقاعد إستقبال الشركة وهي تتصفح هاتفها لتقرر ترك رسالة تحية لزميلتها .

ليصل مراد بعد لحظات ، لتستقل سيارته هاته المرة وليس رفيق رحلاتها ، عالرغم من أنها تجيد القيادة ، لكنها تجد متعة في الإختلاط بالناس ، والمجتمع ، تحب التدقيق في ملامحهم ، والتبنؤ بما يخالجهم ، كل ذلك كان يلهمها في تجاربها ، في رسوماتها ن في كلماتها، عاداتها، تفهم ، وتهدي نفسها ، فتؤمن بالقدر، أن النصيب مقسم فالبعض ممتع بشئ ، ولكنه محروم من الآخر ، لا أحد مكتمل أو كامل ، إنما هناك تكملة ، توؤام ، وإنسجام.

لينتهي طريق العودة سريعًا غير خال من كلمات الإطمئنان ، والغزل ، المواساة ، التؤكيد وبعض الضحكات.

ليصلا للمنزل بعد مدة من زمنية قصيرة ، لم تخل بها شوارع القاهرة من الإزدحام ، ومظاهر البهجة برمضان الشهر الفضيل ، وشجارات طفيفة بين الأفراد نتيجة الصيام ، وإرهاق عمل اليوم .

ليصليا فريضتهما ، وينالا قسطًا من الراحة ، يتوقف العقل فيه عن التفكير ، وإرسال الإشارات للجسد فيرتاح العقل ، والجسد ، ولم يفيقا إلا علي صوت آذان المغرب فيناظران بعضهما وينفجران ضحكًا علي عاداتهما السيئة وهي عدم تفيعل المنبه .

ليفطرا بعدها بلقيمات بسيطة ، وهم يستعدان للإكمال الإفطار بالخارج

لتردف لين قاطعة الصمت بينهما:

لين:(مراد ، أيها الحبيب ، هل يمكنني بعد الطعام دعوت صديقتي للتحدث معها بمشكلة تخصها؟)

مراد:( لا بأس عزيزتي ، ولكن نأكل أولا فإنني جائع وبشدة)

لين: (حسنا أيها العملاق)

ليجري خلفها فتفر هاربة لخارج المنزل، ويغلق الأنوار، والباب وهي يتمتم (طفلة أٌبتليت بحبها)

بعد مدة زمنية لا تزيد عن ساعتين ولا تقل عن ساعة كانا جالسين بمطعم وعلي الطاولة أمامهما طعامًا يتناولانه بنهم شديد .

لترك لين معلقتها بعد برهبة وهي تتنفس بعمق ناتج عن سعادتها بالطعام وينتهي هو الأخر بعدها لترسل رسالة تتقفد بها الزميلة بعدما أخبارتها برغبتها برؤيتها والتحدث خارجًا لتنصاع الزميلة وهي تقبل دعوتها .

لين: (أين أنتِ الآن يا خديجة؟)

خديجة: ( سأعبر الطريق ، وتجدينني أمامك)

ليأتها ردها وهي تعتذر لزوجها بإنها تود جلوسهما علي إنفراد لكي لا تحرج زميلتها ، ليؤمي لها وهو يبتسم علي قلبها البرئ هذا .

وينهض بعدما يتبادل التحية هو وخديجة متعللاً بإتصال طارئ قد أتاه، وتستقبلها لين بود تجذبها من يدها وتجلسها بجوارها وهي تبادلها الحديث حول العمل حتي تهدأ روعتها .

فتفضي خديجة بما يخالجها وكان :

كانت خديجة الأبنة الوسطي لوالديها ، وتمتلك أخت أكبر منها ، وأخ يليها ، وأخت تتبعه ، كانت فتاة هادئة في الطفولة ، لا تشقي والديها أمرًا قط ، سهلة الإقناع ، والطبائع ، لكنها إنطوائية ، لا تحتك بالآخرين .

وكان هذا ليست معضلة لوالديها هما يحاولان معها كي تنفتح بقوقعتها ، وتستقبل مياه الحياة.

وبالفعل حدث وبدأت شخصيتها بالظهور ، كان لها تفكيرًا مختلفًا لا يتماشي مع تفكير والدتها ، وأختها الكبري ، وكأن أختها الكبري علي صواب دومًا ، في نظر والدتها هي الأبنة ، والزوجة المثالية، والأم المكافحة ، علي العكس كانت خديجة تري أن الأقدار لا تتشابه ، وأنا لست غيري ، لست مقيدة بقالب ، تفكيره ، حياته، وشخصيته، وطموحه.

فكانت أختها خريجة جامعية ، وتزوجت زواجًا تقليديًا بعد التخرج ، ولكنه فشل بمرور الوقت ، ولا زلت تري أن الحياة ما هي إلا تحمل وصبر ، ومكافحة لأجل الزوج والأبناء ، ولكن لطالما تساءلت خديجة ونفسي؟.

إن كنت سأكافح لأجل الزوج ، والأبناء ، فمن سيكافح لأجلي عالأقل أنا يمكنني أن أكافح ، وأنجح ،وأشعر بذاتي فلا زوج مثل زوج أختها سيكافح لأجلها ، عالأقل كان سيكافح لأجله ، ولأجل مستقبله.

كانت علي مكان يوضح الصورة لها بقدر كاف ، تري فشل زواج ، أختها ، تعلم جيدًا ، رغم كلماتها اللاذعة إلا أنها تستحق شخصًا أخر يقدرها ويعرف كيف يسعدها.

ومن الجانب الآخر أخوتها لها التي تجعلها تمقت زوجها ، ولا تطيق أن تجالسه دقائق ، تحييه بوجه مقتضب وتتحجج بمكالمة تخص العمل ، فتناظرها والدتها بإشمئزاز علي فعلتها المشين تلك.

كل ما يحاكي بتجمع العائلة هو عبارة عن مشاكل فتيات العائلة من أزواجهن ، منهم الفاشل في عمله ، والجاحد بأبوته ، والخائن لعهد زوجته ، الشخصية العملية التي تجعله لا يخلو وقته لبيته ، والصامت الذي لا يفصح عن مشاعره فيبيت بنظر الفتيات مفقود الأمل فيه ، والآخر محب الطعام الذي لا يفكر إلا في أكله ،.....،....،...إلخ.

كرهت جالساتهن المليئة بالشكوي ، واست إياهن مرات ، ومرات صرخت بهن ، وقاسم أمين يصرخ من دواخلها بحرية المرأة التي لا يعرفونها قط ، وتجنبت مجالستهن مرات حتي باتت لا تدخل البيت المتجمعين به.

كل هذا ووالدتها تري أنها لم تجد فتاة تفعل مثلها من قبل ، كلهن يطمحن بمنزل وزوج يعيشون بكنفه ، إلا هي تفضل الدراسة ، العمل علي الزواج ، وأنها تتعب نفسها فأجساد الرجال تمرض ما لم تشقي ، وأجساد النساء تمرض ما لم تتدلل.

لم تعد تنصت لكلامهن ، تبتعد عن الجميع ، وتبقي في قوقعتها ، تسمع النصائح ، وبعض المشورات بالذهاب للشيخ الفلاني لفك عقدتها ، والطبيب القادم من إنجلترا بارع في تحسين النفسية ....،....،.....إلخ ، وغيرها.

تداهم لين وسط ما تفضيه:

خديجة: ( تري أأنا مخطئة؟)

لين: (لا لست بمخطئة ، ولكن مثلما قلتي قبلاً الأقدار لا تتشابه أنا لست غيري)

خديجة : (أعلم هذا ، ولكن أليس لكل شئ ميعاد؟)

لين: ( إلي ماذا تبغين الوصول؟)

خديجة : (أقول بإن الشئ له ميعاد ، أيا يكن له ميعاد ، والشخص المناسب لم يأتني بعد ، لكن هن لا يفهمن ذلك يفهمن ما مررت به من خلالهن أنه تكبر لدرجة أن إحداهن قالت لي ’ بكرا نشوف’)

لين : ( أتفهم خوفك من التجربة ، ولكن الجميع ليسوا سواء ، والأقدار لا تتشابه كليًا ، ومن الجيد وعيكِ هذا)

خديجة:(............)

لين: ( ولكنكي مخطئة بأمر ما ، كان لا بد من أن لا تشعريهم بوعيكِ فمن الممكن أن تنشئ الغيرة بينكن ، إن لم تكن تواجدت بالفعل)

خديجة: ( كيف؟)

لين : (النفس أمارة بالسوء هؤلاء الذين ترينهن يقنعنكي بالزواج محبةً ، هن أيضًا من سيحملن لكي الحقد علي وعيكِ الذي لم يداهمنهن مبكرًا ، قبل حدوث كل هذا ، ولكن لا تجعلي كلماتي هذه تجفي قلبك منهن ضعي نفسكِ مكانهن فمن الممكن أن تفعلي مثلهن )

#القدر.

#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم.

#منة_محجوب.

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات.