إنتهت لين من عملها عصرًا بعد إتمامها مهام العمل ، متجهة لمحطة رفيق رحلاتها، وتجلس علي مقاعد إنتظاره بعدما قطعت تذكرتها ، دقائق مضت وأت الرفيق المرهون لتصعد علي متنه في رحلة جديدة

هذه المرة لم تعد لين إلي منزل والديها ، بل ترجلت منه بعدما وصلت للمحطة المنشودة ، وخرجت منها إلي منزلها هي التي تعد سيدته ، ومالكة فؤاد مالكه أيضًا

فترحل متجهة إلي منزلها ، وتعتريها مشاعر مختلطة من مٌضي العمر ، والحنين إلي الماضي ، ها هي مضت تاركة الطفولة برمتها ، وأصبحت الآن امرأة ، ودورها بالحياة قد حان أوانه لتزرعه في أرض الحياة ، وتحصد الثمار بعد حين ، حين تخر قواها ، وتزوج الأبناء، وتري الأحفاد فتجد الرفيق ،والسند يكبران معًا

فتصعد لمنزلها، والراحة تغزو ثنايا فؤادها ، فتغلق الباب فيداعبها هواء الشرفة ممزوج برائحته المنتشرة في الأرجاء ، تشعر بأنها فراشة تحلق بين جدران منزلهما الذي بني علي حب ، وتحمد ربها بداخلها فالبيوت من قلوب أصحابها رحبة ، وتسع الأحباب كدفء أفئدتهم ، وفؤاده يحمل لها حبًا نقيًا دافئًا قد فقدت الأمل بالعثور عليه لثبث بداخلها :

’أيًا من الروائح تعود إليك تخصك وحدك ، وتدل على حضورك ، تلك هي أماني وطمأنينتي’

لتشرع في تبديل ملابسها وهي ترتب بعض مكونات الطعام التي يحبها زوجها العزيز فغدًا أول أيام شهر رمضان الكريم، وهاته المرة تشاركه زوجها، ومتابعينها من قلب منزل أصبحت سيدته

ليمضي الوقت سريعًا، وتنتهي من الترتيبات ، ويصادف خروجها من المطبخ ، ولوج زوجها إلي المنزل لتستقبل بحب يفيض من عينيها ليقابلها الآخر بنظرات محبة شغوفة بينما يقهقه علي وجهها الملطخ من صلصة الطعام التي تركت أثرها علي ملابسها

لتتذمر مدبدبة الأرض بطفولية تليق بها متعددة الشخصيات هذه ، فهي في نظره أثني ، وحبيبة ، وطفلة ، وإمراة حرة ومتسلطة بعض الأحيان، شخصية مؤثرة، وسيدة متفوقة في عملها ، والأهم علاقتها به ، وبأهلها

ليمر وقت السحور في أجواء رمضانية ، وسلام يعم الأرجاء، وكأن المرء كان يفتقد هذا السلام، يعي ويقدر كل لحظة ،كلمة في هذا الشهر الفضيل الذي أت ليرمم ما تركه الأحد عشر شهرًا بالنفس ، وما دنسته النفس البشرية ،وكل إنسان بالآخر

كان هذا ما أفصحت به لين لزوجها بينما هما بملابس الصلاة يقفان بالشرفة ليستنشقا هواء الضحي العليل

ليؤيدها بإيماءة بسيطة وهي يتمتم بأذكاره ويمسح علي رأسها يشاركها قوله ويكتب عند ربه قولها لتلك الأذكار

ويأتي الصباح فنهضت لين بحماس وتؤدي فريضتها ، لتذهب بعدها لإكمال التجهيزات اللازمة لعزيمة اليوم ، فالعزيمة تضم عائلتيهما سويا في فطار رمضاني من صنع يديها ، كانت كثيرة التوتر والحيرة تغزو ملامح فتقضم إصبعها وهي تفكر بيأس ، لتقع أنظارها علي زوجها وهي يطالع ويبتسم علي حيرته لتخرج متضجرة نحوه وهي تهتف في غيظ :

علام تضحك؟

لينفجر ضاحكًا ، فتمسك بيديه تجره خلفها إلي المطبخ ، وهي تلقي عليه مهامه اليوم في مساعدتها لينصاع لطلبها وهو يبتسم

وعند الوقت المحدد كانا إنتهيا من طهي الطعام ، ليخرجا من المطبخ نحو الأريكة ويرتمي بتعب والعرق يتصبب من كليهما لتهتف لين قائلة :

يا إلهي كم هو مرهق أن أطهو كل هذا الطعام بمفردي

ليناظرها بصدمة وهو ينبس بإرهاق:

وحدك؟ أخبرتني إنكِ كنتِ وحدكِ بين جدران هذا المطبخ شديد الحرارة ؟ نبس أخر جملته وهو ينهض من مكانه ويقف أمامه ويتساءل لتفر هاربة من أمامه نحو حجرتها ويرتمي هو بدوره باسمًا علي أفعالها

ويمر اليوم بسلام بعد أن أشاد الجميع بتلذذ بجدارتها بالمطبخ ، وغيظها إياه أنها بقيت طوال اليوم وحيدة تعد الأصناف وحدها ، ويغادر الجميع العزيمة التي أثبت بها جدارتها لتشارك متابيعها صورة لزوجها يقف فيها ويدير ظهره لها بينما يقطع خضروات السلطة علي غير دراية منه

يراقصني حبه كـ فراشة ملونة، بألوان تشبهني، أعرفها أكاد أراها منه علي أجنحتي، لأطير وأرسو فوق أكتافه.

لم أكن أعلم أنه آت وبهذه السرعة، داهمني من حيث لا أدري.

وجدت به فارس الأحلام، رغم عدم إيعائي وإنتباهي أنه هو ، هو من أنتظرته سنوات.

أرني كنت أجازف ، وأخاطر ، وأتطوق لإستشعار دفء أحضانه، رغم معرفتي بأنه من الممكن أن أهلك لو عانقني.

ولكن محاولة، هي محاولة واحدة أقترب منها إلى وسط أحضانه وأغدو للخلف إن شعرت بإراقة أنفاسي.

كان بي يقين أن أحضانه سترفق بي، ستحتويني برقة تربت على أجنحتي مرهقة الدوران بحثًا عنه.

وها قد وجدته.

#فارس_الأحلام

#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم

#منة_محجوب

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات