نحن نعيش في عالم حيث الجنازة أهم من الموتى، والزفاف أكثر أهمية من الحب، والجسد أكثر من الفكر. نحن نعيش في ثقافة الحاوية التي تحتقر المحتوى.

يُلخص إدوارد غاليانو، الكاتب والصحفي الأوروغواياني في مقولته السابقة، واقعنا المعاصر بكلمات تُنذر بخطرٍ داهم. ففي ظل ثقافة الحاوية، باتت الجنازة أهم من الموتى، والزفاف يُحتفل به أكثر من الحب، والجسد يُقدّم على الفكر.

هيمنة

لا نستطيع إنكار هيمنة هذه الثقافة على حياتنا. فاهتمام الناس بالمظهر الخارجي، من مظهر جسدي ومُلابس وممتلكات ومكانة اجتماعية، أصبح ظاهرةً واضحة للعيان.

تأثير

لا يقتصر الأمر على انتشار الظاهرة فحسب بل يتعداه إلى التأثير كيف ذلك؟

عززت وسائل التواصل الاجتماعي دور هذه الثقافة. فهي تعرض بشكل مكثّف صوراً لأشخاص ذوي مظهر جسدي "مثالي"، كما تُتيح لمن حظيو بحياةٍ رغيدة عرض مقتنياتهم الفاخرة، من سيارات حديثة ورحلات فخمة وأصناف طعام باهظة الثمن. فتبدأ أسئلة المقارنة بما لديهم وما لدينا.

تحوّلت ثقافة المقارنة على منصات التواصل الاجتماعي إلى فخٍّ ربما يهدد سعادة البعض. فما يُعرض من صورٍ ومقاطع فيديو يُظهر حياةً مثاليةً تبدو بعيدة عن الواقع، والأجيال الشابة هي المستهدف والمتضرر الأول حيث يُقارنون حياتهم بحياة الآخرين، ويعتقدون أنهم لا يُحققون النجاح الكافي ما يسفر عن شعورهم بالاكتئاب أو عدم الرضى.

يجب إدراك أن ما يُعرض على السوشال ميديا ليس بالضرورة حقيقة. فمعظم الناس يُظهرون أفضل ما في حياتهم، ويخفون ما يُعانون منه. والأكثر من ذلك عزيزي المقارن ربما لا تعلم الظروف التي سبقت حياتهم الآنية ولا تعلم كم المعاناة التي تعرضوا لها ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.

هل تؤدي المقارنة إلى الحسد عند البعض؟

الحسد شعور طبيعي، على ألّا يتجّه اتجاهاً مرضيّاً وينغص عيشة صاحبه وعسى ألّا ينحدر لتمني زوال نعمة الغير.

ما يُعرض على السوشال ميديا ليس مُتاحاً للجميع. وعلى اعتبار "الحسد هو المرض النفسي الوحيد الذي ليس بإمكان الانسان الاعتراف به"، وربما ليس حسداً بل مقارنة لأن الحسد يقترب من تمني زوال النعمة للغير وهذا وإن كان ضمنياً فهو أمر غير صحي ويسبغ لصاحبه صورة الشر.

أؤمن بالجهد الشخصي للوصول لأهدافي وأؤمن أيضاً بالحظ والفرص واستغلالها والبحث عنها دائماً، لكن ليس بوسعي أن أتمنى شراً لإنسان ولو كان يملك من الغنى مال قارون. لكن اواجه العديد من الأشخاص والبعض من المقربين والذين يقارنون حالهم بغيرهم وأراهم منغمسين في السوشال ميديا يراقبون فلان هناك وفلان سافر وفلان امتلك وفلانة تزوجت من مغترب.

هل يمكن أن تؤدي السطحية في عالمنا اليوم إلى تآكل القيم الاخلاقية والمبادئ الإنسانية؟

أن تتمنى الخير لصديقك هذا باعتقادي أمر جميل لكن الأسمى والأجمل ألا تشعر بالامتعاض فيما لو أصبح أفضل منك.

سؤال شخصي لروّاد موقع حسوب الكرماء هل يمكن أن تتمنى لشخص قريب أو صديق أن يكون أفضل حالاً منك وأكثر غنى وأكثر نجاحاً؟

فيما لو كانت الإجابة ب نعم دون برهة تفكير فهذا المقال لا يعنيك أبداً وأنت من المتراضين مع أنفسهم ومن المتصالحين معها.