القارئ معزول الحواس تماما ولا يستطيع أن يبصر معاني النص إلا من خلال الكلمات التي يقوده بها الكاتب كمن يمسك بذراع الكفيف ليساعده في عبور الشارع.

لا يستطيع القارئ أن يشم أو أن يشعر إلا إذا وصفت له ما يشمه أو يشعر به فمن خلال النص يستكشف القارئ المشاهد ويعيش مع ابطال حكايتك حياتهم.

فهو لا يشاهدهم من وراء الزجاج الالكتروني بكل أنواعه بل يغوص معهم في دروبهم ويحضر اجتماعاتهم و يسمع همسهم ويقرا أفكارهم وينفعل لإنفعالهم ويخاف عليهم واحيانا منهم.

والشخص الوحيد الذي يحدد للقارئ من يكره ومن يحب متى يبكي ومتى يفرح متى يطمئن ومتى يتوتر هو الكاتب والمؤلف.

فإذا ضعفت ملكة الكاتب بطل سحره على القارئ وصارت كلماته حبرًا على ورق.

أما إذا أتقن المؤلف سحره أمسك على القارئ حواسه كلها وجعله غارقا في خياله يصور له كل مشاهد الحكاية ويقحمه فيها.

وما إن ينتهي من القراءة حتى يستفيق كمن أستيقظ من حلم كان يسقط فيه من أعلى المباني ليجد نفسه على الأرض بجانب السرير.

كن على ثقة أيها الكاتب أن لكلماتك سحرا في نفوس القراء وان لكل حرف منها قوة تبث في نفس القارئ شعلة من لهيب الذاكرة فتصهره وتعيد تكوينه ليصبح خيالا.

فيرى نفسه في أرض غير أرضه وتحت سماء غير سمائه يعيش مشكلة بعيدة عن مشاكله ويرافق بطلا لم ولن يلتقي به من قبل.

وحين تنطفئ افران الخيال وتنتهي الاحرف التي تصهر الذاكرة لن يتذكر القارئ إلا ذلك الاحساس الجميل الذي شعر به عندما أضفت لذكريات حياته الرتيبة مغامرة ملحمية وأصدقاء خياليين عوضا عن ذكرياته المؤلمة وحياته البائسة.

الحكاية هي المخدر الوحيد الذي لا بأس من تعاطيه بكثرة.

فيا أيها الخميائيون العظام دعونا نخلط الخيال بالواقع ونحرق بعض الذكريات.