التسامح هو أن تزيل تلك الجبال التي في صدرك فتبددها جميعا وتشتتها في الرياح لترتاح من عبء أثقلك عن المسير !!

يظن البعض بل الكثير أنه إن لم يسامح فإنه يعاقب الطرف المذنب !! فعجبا لك كيف تفكر في ذلك ؟! أما تراه مرتاحا ينعم وانت في نارك تتلظى !! فأنت يا أخي تعاقب نفسك وتتعبها بل وتهوي بها من حيث لن تشعر الا حين ترى نفسك وقد أحاطت بك الأمراض وقد أُنهك هذا الجسد المسكين !!!

نعم ليس بالسهل أن تسامح وتغفر لأن بعض المواقف حين تتردد على الذاكرة ينفتح الجرح ويبدأ بعدها النزيف وترى قدر المعاناة التي سببها لك هذا المذنب فتأبى عليك نفسك أن تسامحه ،،

ولكن … ألا يحق لك أن تعيش بسلام ؟!

ألا يحق لك أن تحس براحة تغمر صدرك وفؤادك ؟!

بعض المواقف تحتاج الى أيام بل شهور بل أعوام ، نعم أفهم ذلك ولكن يكفيك شرف المحاولة وستصل في النهاية !

أن تسامح المذنب لا يعني بتاتا أن تجعله يدخل مرة اخرى حياتك يسرح ويمرح فيها فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فتفطن !!

بل الهدف أخي هو أن تريح نفسك وأن ترى النور بعد أن أحطت نفسك بتلك الظلمات الحالكة .

ولو لم يكن لهذه العملية التي تسمو بالروح قدر وشان لما عظم الله من شأنها في القرآن حين قال :-

(( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) )) الشورى

وآية أخرى تأملها جيدا، فقد نزلت في أبي بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - حين حلف أن لا ينفق على قريب له كان ينفق عليه بسبب أن هذا القريب قد خاض في حادثة الإفك ، تأمل فقط أنه قد طعن في عرض ابنته تأمل وقعها جيدا، ثم تأمل رحمة الله في ابي بكرٍ بهذا التوجيه الرباني العظيم حين قال (( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٢) ))

ولا يأتل :- أي لا يحلف

يالله كم أنت عظيم (( ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) قال ابو بكرٍ حينها :- بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع النفقة إلى قريبه ، وأنت ماذا ستقول ؟!!!! ،،،،،،

ذاك هو جنة الصدر ، هي جنة عظيمة ترى نفسك متربعا في نعيم دائم فتتشوق نفسك لذاك النعيم الموعود في جنات عرضها السماوات والارض فتهفو روحك إليه وتسبقك .

وتخيل معي حين يقول الله :(( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (٤٧) الحجر

لن يكمل النعيم إلا بهذه الإزالة فتفطن !!

حرر نفسك من هذه القيود وفك أسرها فالحرية طعمها لذيذ وجميل وإن ذقت طعمها ستدمن عليها أعدك !!

أخي أنت لم تكلف برد المظالم بل تلك موكلة إلى القهار الديان الذي لا يفوته شي ولا تخفى عليه خافية ، أنت مهمتك فقط أن تصلح مافي داخلك .

أصلح قلبك الصغير الجميل الذي أوصاك الله به ، وجعل مدار صلاحك وسعادتك واستقامتك عليه (( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) ))الشعراء

فلتبدأ هذه الرحلة وحاول مرارا وتكرارا وادع الله واسأله الإعانة والتوفيق فلن تقوى بدون القوي المتين ، فالضعيف يستسلم والقوي فقط هو من يرقى ويسامح .

أما متى ستصل ؟! نعم ستصل حين تتذكر الموقف او تسرده فلا تجتاحك مشاعر الغضب والحزن والانتقام ، فهنيئا لك قد وصلت وما عليك سوى أن تتنظر ذاك الموقف حين يناديك ملك الملوك فيقول :- فليقم من أجره على الله !! فتقوم أنت من بين القائمين !!(١)

ما أعظمه من موقف يستحق منك تلك الوقفات والاجتهادات في الدنيا

وتذكر أنك لست شيئا عند من أعطى ورزق ودبر وخلق وملك ، ثم يعصى فيُستغفر فيغفر ويصفح ويرحم سبحانه الغفور الغفار الرحيم الكريم ..

——————————————-

(١) الحديث ضعفه الألباني ولكن معناه صحيح لدلالة الكتاب والسنة على عظيم أجر العافين عن الناس في مواضع كثيرة ،، أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقف العباد للحساب ينادي منادٍ ليَقُمْ من أجره على الله؛ فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية، ليقم من أجره على الله، قالوا: ومن ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس، فقام كذا وكذا ألفاً، فدخلوا الجنة بغير حساب».