"ازدواجية الشخصية دوامة صعب الخروج منها ، جانبك المهذب وجانبك المنحرف.. ممارسة الازدواجية ضرورة في مجتمع يقيس أخلاقياتك بمنظور تقليدي"
ما مدى اتفاقك أو اختلافك مع هذا الكلام؟
ذكرتني بقصة رأيتها فكاهية بعض الشيء، وهي قصة الكاتب (مارك مانسون) عند زيارته لدولة روسيا، وهو الرجل الأمريكي المعجون بالصفات الأوروبية، يقول مانسون بأن الثقافة الأوروبية هي ثقافة المظاهر، أي أنك تعامل كل شخص تبعًا لما هو مناسب له، فتجد أنك تتحول من شكل إلى شكل مع اختلاف الأشخاص، يصف مانسون بأن هذا يصعب الحياة، ويجعلها متصنعة، مرهقة، فأنت تبذل جهود من أجل إعجاب الآخرين.
أما في روسيا، فهم يميلون إلى الصدق، حيث يصف الإنسان ما يشعر به تجاهك وتجاه الأشياء بصدق، وبتلقائية، ووقت يراها الناس في روسيا شيء عادي، يراها الأوروبية تبجح، مثلًا: أنت تجلس مع فتاة، وتمزح معها، فتقول لك "أنت تقول شيئًا تافهًا وغبيًا" بالطبع ستشعر بالضيع والانزعاج من هذه الوقاحة، لكن هي - كفتاة روسية - لا تشعر بهذا، بل إنها تخبرك به كأنها تقول لك "اطفئ المروحة من فضلك"، أي أنه الأمر الذي يعتاده الناس، يؤكد مانسون "إذا رأى الروسي بأنك أحمق وتافه فسيقول لك أنت أحمق وتافه"، وكم عانى هو أيام إقامته الأولى في روسيا من هذه الصراحة الفجة، لكنها أيام قليلة بعدها اعتاد هذا، وأحبه، ورآه مريح للغاية، وأن المجتمع الأوروبي أحرى به أن يتبع هذا الأسلوب.
إن الازدواجية التي تراها المجتمعات ضرورية هي في الواقع كذبة، الناس يمثلون على بعضهم، وهذا التمثيل مرهق على المستوى النفسي، المجتمع بالتالي يقيس أخلاقيات أفراده بأسلوب غير صحيح، وإن أردنا حقًا أن نقيس سلوك الأفراد فلنترك لهم حرية التعبير عن أنفسهم بلا قيود.
فلنكن صريحين بلا وقاحة؛
ما فعلته الفتاة الروسية وذلك الرجل ما هي إلا وقاحة يا محمود، لا يمكنني أن أصفها بأي تعبير آخر!
صراحة يزعجني إنتشار مثل هذه القصص على منصات التواصل الإجتماعي المختلفة، إنها تقدم مبررات مسبقة لأولئك الذين نخشى محادثاتهم، لمن نهرب من الحوار معهم لنتقي شر ألسنتهم!
شاع مؤخرا على الفيسبوك عبارة تقول:
"إن من يسمعونك أقسى الكلمات، هم أطيب الناس قلبا، إنهم يخبرونك بما يدور بأذهانهم دون أي تجميل للأمور"!!!
وكأن النصيحة لا تُقدم إلا بهذا الشكل والأسلوب الوقح.
علينا أن نتمسك بما تعلمناه في تراثنا وتاريخنا:
" فليقل خيرا أو ليصمت "
الأخلاقيات هي السلطة الرادعة الأولى في المجتمع بعد سلطة القانون ولهذا فالجميع مطالب بالتكيف معها سواء كان ذلك طوعا منه أو رغما عنه. ولولا هذه السلطة العرفية أساسا لوقعت الفوضى ولما انتهت المشاكل.
تخيل حجم الفوضى والمشاكل التي ستحدث لو لم تكن هناك قيم إجتماعية ولو تصرف كل منا بما تهواه نفسه. هل تعتقد أن جانبك الغير مروض سيكون مقبولا من الناس حولك؟ وان كنت لا تهتم بمدى قبولهم له فما الذي يجعلهم مجبرين على رؤية والتعامل مع جانبك الآخر؟
لماذا أصلا نفترض أن هذه ازدواجية، هل يجب على التعامل مع كل الناس وفي كل المواقف بنفس الطريقة حتى لا اكون مزدوجا؟!
جميعنا لديه الصفات وعكسها، والمواقف هي التي تحدد الصفة التي نتعامل بها، فنحن في العمل لا نتحدث بنفس الطريقة التي نتحدث بها في الخارج، ونحن عندما نتعرض للإعتداء مثلا لن يصبح رد فعلا هو نفس رد الفعل عندما نتحدث مع شخص ما في الوضع العادي.
أنا لا ارى الأمر ازدواجية على الإطلاق بل اراه تكيف وتقييم للمواقف، وقديما قالوا لكل مقام مقال
المواقف هل التي تحكم
الازدواجية ليست بعيب، هناك كلام يمكنني قوله لشخص ما، ولكن يستحيل عليا قوله لشخص آخر
كما أن بعض الأشخاص ممن يطلقون اسم الازدواجية على المواقف التي نقوم فيها بأمور مختلفة كل مرة، ينطبق عليهم بالظبط قوله تعالى (فظًا غليظ القلب)
فالصراحة والوقاحة بينهما خيط رفيع
يطلقون على الاحترام والتهذيب كلمة ازدواجية، كي لا يتم وصفهم بالوقاحة!
التعليقات