يالهم من أناس فاق شوق تراب الارض اشتياقنا لهم حتي ظفر بهم من بيننا واستأثر بهم لنفسه، خطف اجسادهم من دنيانا فبتنا لا نعزي بفقدهم الا في أحلامنا حين نراهم ، خفتت أصواتهم وغربت عن سماواتنا شموس هشاتهم وبشاتهم وطيبات أقوالهم التي كثيرا ما أذهبت عنا الهم والحزن، تلاشت عن تزاحمات الاصوات في الارجاء اصداء كلماتهم، تلك الكلمات الدافئة التي طالما لمست قلوبنا فهدأت لها رجفات أفئدتنا و اطمأنت وأمنت من خوف وفزع دروب الدنيا الموحشة.....

حتي بعدما بلت اجسادهم وتحول تبر قلوبهم الي تراب هباءه منثور في الهواء، لا يزالون تأبي ارواحهم تركنا وحيدين نجابه أمواج الدنيا العاتية التي فاقت ضخامتها جبال تهامي، فلا يزالون لنا كما كانت سفينة نوح الجارية بين الاعاصير العاتية حتي ترسوا بنا علي جودي من الهدوء والسكينة تجددها ذكراهم التي لا تفارق الخلود والالباب.

و ترابهم الذي صار هباءا منثورا تتلاعب به نسمات الرياح الرقيقة لتلقي بذرة من ذراته علي وجه احدهم من الاحياء ليطبع علي وجهه ابتسامة رقيقة لا تقع عليها عيوننا الا وادهشت لما رأت، فهي تحسبهم هم لما وجدت من خيوط رقيقة واهنة كوهن خيوط العنكبوت من تشابه بعيد بينهم وبين من رحلوا، فتجهش القلوب بالدمع الملتهب، وتتحرك الالسنة معللة بقولها (يخلق من الشبه أربعين)، ولكنها ارواحهم التي تحلق من حولنا حمائم بيضاء ترقبنا من بعيد، لتلقي علينا سلاما بين الحين والآخر، وكذلك هي أرواحنا كما لو كانت قد نقشت قسمات وجوه الراحلين علي أغشية عيونها فلا تري الا هم، فسلاما منا علي من رحلوا وسلاما علي من نحن عنهم راحلين.......