مقدمة
تعتبر تربية الأطفال من الفنون الاجتماعية الأساسية التي وضعها التربويون في البؤرة، وقد ظهر في الآونة الأخيرة اهتمام الوالدين برفع الوعي التربوي لإيجاد طرق يستطيع من خلالها التعامل مع الأطفال. من التحدي أن تفهم أسرار الأطفال ومفاتيحهم وتصل معهم إلى نقطة حوار، قبولك للتحدي والاستعداد له يرفع مستوى الوعي التربوي. التعامل مع الأطفال يحتاج إلى تأهيل مسبق للنفس حتى يستطيع الآباء العيش في أجوائهم والتصرف بما يتناسب مع المرحلة العمرية وتدارك الأخطاء واستبدالها بما هو نافع، ليس ذلك فحسب بل وللحفاظ على الصحة النفسية وتجنب الغضب والسيطرة على الأعصاب.
هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الآباء في تربية أبنائهم، لذلك تعتبر التربية فناً لأنها غير مقتصرة على التعامل مع الأبناء فقط إنما هي تهذيب للنفس البشرية وإتقان التأقلم مع البيئة وصراعاتها وتعليم الأبناء كيفية تقبل الاختلاف.
متعة التربية
الشعور بمتعة التربية يحفز الآباء والأمهات على الاستمرار في العملية التربوية بلا كلل ولا ملل، يأتي ذلك الشعور عندما تعلم أن التربية مشروع كغيره من المشاريع، إن كانت المشاريع الأخرى تجلب لك المال فمشروع التربية ينشئ لك إنساناً يخدم نفسه ودينه ويعمل لآخرته وآخرتك وتحصد نتائجه ولو بعد حين. إن غيرت مفهوم التربية في نفسك فأنت تشجع نفسك على الاستمرار دون يأس وإن لم تكن النتائج حاضرة في ذات الوقت.
لن تستطيع أن تنوع في الأساليب التربوية دون الشعور بمتعة الإنجاز، تغيير الإنسان إلى الأفضل من بواعث الاستمرار في المحاولة. نضع في عين الاعتبار الكثير من العوامل المؤثرة على التربية، منها البيئة والأصدقاء والموروثات والعادات والتقاليد. اختيار الأسلوب التربوي المناسب والتنويع في الأساليب من العوامل التي تساعد على تحقيق النتائج. استعن بالله ولا تعجز، الدعاء خير معين على تربيتك لأبنائك.
التربية ليست إصدار أوامر بل هي علاقة بينك وبين المتربي، علاقة تلزمك بقواعد لتسير في مسارها الصحيح وإن واجهتكما بعض العقبات تستطيع بشيء من الحكمة تجاوزها مع تعلم دروس جديدة من التجربة، لذلك نكرر أن التربية فن والفن مهارة تحتاج لتدريب وتطوير.
النية في التربية
لا يمكن أن يطّلع الله تعالى على نواياك ويرى صدقك في ابتغاء الخير لأبنائك ولا يعطيك ما تريد، فالله تعالى يساعد الصادقين ولا يردهم خائبين. النية تحدد ما إذا كان هذا الجيل ربانياً أم تربى على إرضاء المجتمع والناس. تصفية النية في التربية هي تصفية لجيل كامل، عندما تربي طفلاً فأنت تربي جيلاً. فالطفل سينقل تربيتك وطريقتها بدقة إلى الأجيال القادمة لذلك اجعل نيتك في التربية من أجل الله تعالى ومن أجل الآخرة فقط، لا من أجل الناس وكلامهم. والله تعالى سيعينك على إيصال ما تريد عبر الأجيال حتى وإن كنت مجهولاً في الأرض. قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، نيتك من أجل الله تعالى تنشئ جيلاً قوياً حراً بأفكاره وتطلعاته لا يتعلق بشباك المجتمع والناس.
وجه بوصلة طفلك إلى الله تعالى
في خضم الحياة وانشغالاتها قد تخرج كلمة غير مقصودة من الآباء تصرف الطفل عن الله تعالى وتوجه تعلقه بغيره، كأن يقال له: "لا تخف بابا وماما معك". بتلك العبارة سنغرس في الطفل أن أبي وأمي هم مصدر الأمان في حين أن هذا ليس صحيحاً. نحن لسنا مصدر أمان لأطفالنا بل المصدر الوحيد الذي لا ثاني له هو الله تعالى، ربط طفلك بالله تعالى يغير حياته إلى الأفضل والأسمى، يعلم الطفل أن هناك قوة عظيمة تحركنا لا حول لنا ولا قوة إلا به. هذا الارتباط سوف يخلص الطفل من الخوف من البشر ومن النفس، وإن حصل الخوف فسيعلم كيف يتخلص منه باللجوء إلى الله تعالى.
أنت تقدم خدمة عظيمة للطفل عندما تربطه بخالقه، ذكره دائماً أن الله تعالى هو من يطعمنا ويسقينا ويؤوينا وهو وحده الذي سينجينا من مشاكلنا، وجه بوصلة طفلك إلى الله تعالى حتى يعيش بنفس مطمئنة لا تعكرها الأحداث.
التربية بين التنظير والتطبيق
لقد باتت التربية لفترة من الزمن تنظيراً فقط حتى ظهر على السطح أولئك المخلصون الذين حولوا الكلمات إلى أفعال وبدأوا بالتطبيق، ليس هناك ما يسمى تربية حديثة ولكن هناك أناس لم تتعمق في فهم تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للأجيال فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أطفال المسلمين كحرصه على كبارهم. الاهتمام بهم اهتمام بلبنات المجتمع وسد ثغوره.
لابد أن يُشرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لكل طفل مسلم: "احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"، هذا الحديث نوراً يمشي به الطفل في الظلمات فيؤثر ولا يتأثر. الاجتماعات التربوية في البيوت بين الآباء والأبناء حجر أساس يساعد الطفل ليصعد ويرتقي إلى الأعلى. ولا تقل "ليس لدي وقت" فكما قلنا سابقاً "أبناوك هم مشروعك المستقبلي"، اجعل تلك الاجتماعات مصدراً للقيم والأخلاق التي تغذي بها أطفالك كل يوم ولا تخشى عليهم من التخمة الثقافية فهي إيجابية بحتة.
حتى تخرج التربية من حيز التنظير إلى حيز التطبيق علمهم كيف يتعلمون وكيف يطبقون ما يسمعون من المبادئ والقيم والأخلاق لتنشئة جيل قوي لا يمت لتفاهات العصر بصلة.
علاقة الوفرة بالتربية
قديماً كان من السهل على الطفل أن يختار ما يريد دون أن يحتار، لم تكن الكرة الأرضية قد تعرفت بعد على الوفرة ولم تكن الخيارات بعدد ذرات الرمل كما اليوم فكان قنوعاً راضياً، في أيامنا هذه ظهرت الوفرة والتنوع في البضائع، يقف الطفل أمام الحلويات لا يستطيع اتخاذ قرار الاختيار فتطمع نفسه في كل الأشياء، لذلك لابد أن بتنبه الآباء لهذه النقطة، مهما كان عمق حبك لطفلك لابد أن تعلمه كيف يختار، وتضع أمامه خيارين أو ثلاثة فقط لا غير. لا توفر له كل ما يريد حتى لو كنت قادراً على الشراء فالوفرة مفسدة. الوفرة تعزز في نفس الطفل البطر وعدم الرضا فتطلب نفسه المزيد دون أن تشبع.
قال تعالى: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض" جدير بنا أن نأخذ الآية الكريمة كقاعدة تربوية نربي عليها أطفالنا، بسط المشتريات للأطفال يجعلهم يتمردون ويطلبون المزيد وقد يغفلون عن شكر الله تعالى وتلك سلسة لا نهاية لها علينا إيقافها حفاظاً على سلام الطفل الداخلي وتهذيباً لنفسه من الجشع والطمع.
بعض الآباء المشغولين يريحون ضمائرهم بتوفير كل ما يحتاجه الأطفال ظناً منهم أن هذا سيغفر التفاتهم عن مسؤولياتهم تجاههم، لا يعلمون أنهم يفسدون أكثر مما يصلحون، توفير كل احتياجات النفس قد يؤدي إلى الطغيان و الرغبة في المزيد. لابد من وضع اتفاقيات مع الأطفال تحدد الاختيارات ولا تجعلها مفتوحة، مثلاً قبل الذهاب إلى التسوق اتفق معهم أن المسموح من الشراء صنفان فقط لا أكثر. هذه الطريقة تعطيهم فرصة لخوض تجربة المفاضلة بين الأشياء وتحديد رغبة النفس بدقة والتخلص من تكديس الأشياء لإشباع النفس التي لا تشبع ثم تجعل الطفل سعيداً لأنه نجح في التجربة مع التشجيع المتزن لتحقيق نتائج أفضل.
ختاماً قال صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" حديث حسن. في كل نفس ادعوا لأبنائكم "رب اصنع أولادي على عينك" لن نستطيع تربيتهم دون عون من الله تعالى، وحده القادر على تهذيبهم ما نحن إلا أسباب والله تعالى وحده يعلم سر النفس وهو القادر على جعلهم مباركين طيبين نافعين يرفعون قدر آبائهم في الآخرة.
التعليقات