حتى نشعر بالآخر لابد أن نترك لخيالنا العنان ونضع أنفسنا مكانه، نعيش دوره، فنسمع ما سمع ونرى ما رأى ونشعر بما شعر. ذاك تماماً ما يجعلنا نشعر بحق بمعاناة الآخر بل حتى بفرحه. أن تضع نفسك مكانه ليس بالأمر السهل، لأننا نستصعب الانغماس في المآسي ونخاف أن يمسنا شيء منها. لذلك مهارة الشعور بالآخر لا يملكها الجميع. تملكها فقط القلوب الحية اليقظة وتلك أرزاق يسوقها الله تعالى لمن يشاء من عباده.
نحتاج أحياناً أن نعيش حياتهم في مخيلتنا فقد يغير الخيال طبيعتنا 180 درجة، وقد ننجو من سواد أفكارنا بالعيش في الآخَر، وقد تتبدل أحوالنا إلى الأفضل لمجرد أننا غيرنا طريقة تعاطينا مع الأحداث وبالتالي طريقة تفكيرنا، فهناك مقولة ذات معنى قيم: "غيّر أفكارك تغير حياتك".
هل تسمعون نداءات الأطفال تحت الأنقاض؟
هل تسمعون استنجادهم؟
هل قرأتم مافي عيونهم من المعاني عندما خرجوا من بين الركام؟
ولماذا الأطفال؟ فهناك الكبار أيضاً.
درجة وعي الكبير لِما يدور حوله تفوق وعي الطفل بأميال. يستيقظ الطفل ليرى نفسه في مكان مظلم ومؤلم، ما هو الشعور الذي تملكه في تلك اللحظة؟ ما الذي شعر به عندما نادى والدته ولم تجب؟ أو أجابت ولكنها لم تستطع أن تصل إليه فتحتضنه وتهدئ من روعه. يا إلهي مشهد مؤلم.
الأطفال محركات لمشاعرنا بما يملكون من براءة وتساؤلات، لولا إيماننا بأن الله تعالى أرحم بهم من الأم بوليدها لتلمكتنا الأمراض النفسية لمعاناتهم. كل طفل يعاني هو مسؤولية الجميع لإشعاره بالأمان والأخذ بيده إلى شاطئ السعادة والسلام، هم سعادتنا إن كانوا سعداء، هم حزننا إن غشيتهم الأحزان. ليس صعباً أن تسعد طفلاً وتحافظ على مشاعره شامخة دون انكسار، دموعهم دموعنا، مآسيهم مآسينا، قلوبهم وتغيراتها هي قلوبنا فلنحافظ عليها راضية مطمئنة.
من الجميل أن تواسيَ طفلاً وتتفهم مشاعره فتناقشه بما يفهم وتخفف من أحماله بمشاركته أحزانه. جميل أن تتفاعل معه بطريقة تليق بعمره فتدعمه وترفع من معنوياته وتسنده ليحافظ على خطواته فلا يترنح. إنه مشروع تربية طفل. أولئك الأطفال الذين خرجوا من تحت الأنقاض هم بحاجة لعلاج نفسي قبل الانطلاق إلى دهاليز الحياة وإكمال مشوارهم. بعضهم خرج بلا أم والآخر بلا أب ومنهم بلا أم ولا أب. إن الله أرحم بهم من الأم بوليدها، يؤهلهم في الحياة لما هو أعظم ويختبر سبحانه وتعالى من حولهم "لننظر كيف تعملون".
خرجوا بعد الزلزال من تحت الأنقاض بنفسيات مختلفة، ناموا على أمل أن الغد آتٍ وإذا بهم يستيقظون بلا قدرة على الحراك. ليس هناك عبث فأقدار الله تعالى محكمة قد جعل الله لكل شيء سبباً، بيده سبحانه وتعالى الخير وهو على كل شيء قدير.
سيتولاهم خالقهم سبحانه وتعالى، وسوف يعوضهم خيراً ويعطيهم من فضله فتدبير الله جل في علاه يحمل في طياته الخير العميم والشر لا ينسب إليه.
جلد الذات
يشعر الكثير بالحزن على ضحايا الزلزال والأشد تنكيلاً على النفس جلد الذات فتراهم مهمومين منكسرين لأنهم بعيدين عن ميدان المساعدة. وهنا نتوقف قليلاً لنقول: "العجز عدو الحركة". الشعور بالعجز هو "وهم المثالية"، تريد أن تنجز ولكنك تستصغر كل إقدام فما دون المساعدة في الميدان لا شيء!
كل ما تقدمه هو مساعدة تخرجك من دائرة جلد الذات، الدعاء، التبرع، المواساة، وغيرها الكثير. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.
جلدك لذاتك هو إيقاف لمحرك حياتك، لا نفعت ولا انتفعت. اجعل جلد الذات دافعية ذاتية للعمل وخدمة نفسك والمجتمع.
التعليقات