تخيل أنني في الخامسة من عمري وأريد أن أفهم ما معنى أن تأخذ دولة قرض من البنك الدولي؟ ولماذا قد تحتاج الدولة إلى هذا المال؟ وكيف يمكن للبنك الدولي أن يحصل على أمواله مرة أخرى إذا لم تستطع الدولة سداد القرض أو أخلفت وعدها عن قصد؟
ما معنى قرض من البنك الدولي وكيف يحصّله إذا أخلفت الدولة وعدها؟
انظر صديقي الصغير في هذا المثل لتعرف معنى ما تسأل عنه ( تخيل أن الدولة هي أبيك والشعب هو أنت وأخوتك والبنك الدولي هو جارك الغني) أبيك قد يبذل ما بوسعه ليوفر ما تحتاجه أنت وأخوتك ولكن يعجز وهنا يلجأ لاقتراض سلفة من جارك الغني، وربما لا يبذل ما بوسعه لسوء خلقه أو معاناته من مشاكل فيقترض أيضاً، وبعد ذلك سيضطر لأن يرفع ثمن خدماته في العمل حتى يتمكن من سداد القرض ويوفر احتياجاتكم وبالتالي لا يقترض مرة أخرى، وحتى يفعل ذلك سيعاني ويكون تحت ضغط وربما يقسو عليكم فتغضبوا أو تعجزوا أو يقرر أحد اخوتك ترك المنزل، فلو سدد القرض ستهدأ الأمور نوعاً ما، ولو لم يسدد ربما يلجأ جارك الغني لأخذ لعبتك التي تحبها وسريرك الذي لا تعرف طعم للراحة إلى بالنوم عليه وطبق طعامك الذي تذوقت به طعم الشبع.
أو يقرر أحد اخوتك ترك المنزل
أحببت هذا التشبيه جداً الصراحة في التقاطه لمفهوم الهجرة الاجبارية التي تأتي من حاجة شديدة إلى التخفيف عن الغير وعن النفس، كثيراً ما فعلوها السوريين والمصريين إلى الخارج بسبب ما يتعرضون له من مشاكل وبالفعل كل هذه المشاكل في نهاية المطاف التي يتعرضون لها تكون مادية لها علاقة بطريقة تنظيم المال المُقترَض أو المُكتسب بالمشاريع.
البنك الدولي يجمع المال من اشتراكات الدول الأعضاء فيه, تقريبا كل الدول هي أعضاء في البنك الدولي, وتحدد الحصة المالي لهذه الاشتراكات من طرف البنك حسب قدرات كل دولة.
عندما تحتاج دولة فقيرة ما لإنشاء مشروع مهم يخص البنية التحتية أو نحوه كبناء السدود أو مشروع بناء جامعات أو قناطر وغيرها من المشاريع...فإنها قد لا تجد الأموال لذلك, لأن ميزانية الدول الفقيرة بالكاد تغطي نفقاتها السنوية كرواتب الموظفين ومستلزمات المدارس والمستشفيات الحكومية إلى آخره من النفقات... فتقصد بالتالي هذه الدولة البنك الدولي التي هي عضو فيه لاقراضها, فيقرض البنك الدولي الدولة من أجل مشاريعها ويتم تحديد أقساط السداد.
تلتزم الدول رغما عن أنفها على سداد الديون في وقتها وتجتهد من أجل ذلك, ونادرا ما تتخلف الدول عن السداد كما حدث مؤخرا بلبنان, لأنها إن تخلفت وأعلنت عدم قدرتها على سداد ديونها عن قصد أو غير قصد, فإن الثمن يكون باهضا وهو عدم القدرة مجددا على الاقتراض من أي جهة دولية, وهروب المستثمرين من الاستثمار بالدولة لأنها لا تتوفر على مناخ مناسب للاستثمار ومشاريعها فاشلة وغير قادرة على سداد ديونها..
كل الدول النامية بحاجة للقروض من أجل مشاريعها, فلكي تطور من ذاتها وتوسع من اقتصادها وبنياتها التحتية هي بحاجة لأموال للاستثمار في هذا التطوير, والأموال التي لديها لا تكفي للاستثمارات الضخمة, هي تكفي فقط لسد نفقاتها وللاستثمارات الصغيرة, لذا إن حرمت الدولة من الاقتراض مجددا من الجهات الخارجية فإنها لن تبرح مكانها وستتخلف أكثر فأكثر عن بقية الدول النامية.
وهنا رابط اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي لفهمه أكثر:
لنفترض أن الدولة تعمّدت أن تتخلف عن تسديد هذه القروض وأصدرت بياناً في عدم قدرتها على السداد أو الأسوأ عدم رغبتها بالسداد، يعني سرقت هذه الدولة البنك الدولي، هنا في هذه الحالة كيف يمكن للبنك الدولي أن يسترد أمواله من الدولة ويدافع عن نفسه لكي لا يتعرض لترهيب الدولة المُقترٍضة إذا ما كانت عنيفة في تنفيذ هذا القرار بشكل مفاجئ؟
لا يسترد البنك الدولي أمواله وما من طريقة لاستردادها غصبا كما بسياسات البنوك العادية, أموال البنك الدولي ليست بتلك الأهمية بالنسبة له كي يحاول جاهدا استردادها فهي أموال الدول الأعضاء قاطبة والدول الأعضاء لن تعادي دولة من الدول لتخلفها عن سداد ديونها, ما سيحدث أن الدولة المتخلفة عن السداد تصير في القائمة السوداء ولا تتمكن من أخذ قرض من أي جهة دولية أخرى, وتصير منبوذة اقتصاديا, حتى الدول لا تستثمر فيها لأنها غير أهل للثقة, وهذا سيضر الدولة المقترضة أيما ضرر, لأنه لا توجد في العالم دولة لا تقترض من جهات خارجية من أجل استثماراتها, أو تعيش بدون مستثمرين أجانب عنها. وبالتالي فلا يوجد أي دولة تتخلف عن دفع ديونها إلا في حالات جدا نادرة تتمثل بالحروب مثلا أو المشاكل الداخلية العويصة كما حدث للبنان لما أعلنت افلاسها وعدم قدرتها على سداد الديون.
لست متخصصا في الاقتصاد ومعلوماتي فيه سطحية إلى حد ما لكن ما أعرفه بهذا الشأن هو أن الدولة قد تحتاج المال لأن الميزانية التي لديها غير كافية للقيام بكل مسئولياتها، أو ربما تريد أن تبدأ مشروعات جديدة لأهداف معينة.
البنك الدولي يعطي المال للدولة، ولكن بشرط أن تُعيده في وقت محدد، مع زيادة فائدة محددة مسبقا. إذا لم تستطع الدولة إعادة المال، يمكن أن تتفق مع البنك الدولي على مهلة إضافية. لكن إذا لم تلتزم الدولة بالسداد أو أخلفت وعدها عن قصد، قد يتوقف البنك الدولي عن إعطائها أي قروض مستقبلية، أو يطلب منها بيع بعض ممتلكاتها (مثل الشركات الكبيرة) أو فرض ضرائب أعلى على الناس، ليحاول الحصول على أمواله مجددًا.
الموضوع كارثي إن تم فرض ضرائب على الناس أو بدؤوا بالانتقام من الاقتصاد لتسديد هذه القروض، أنا لست خبيراً بالمرة بالاقتصاد ولكن هذا يعني بحسب نص كلامك أن سعر صرف الدولار مثلاً قد ينتقل من ١ مثلاً ل ١٠٠ خلال أيام! وهذا الموضوع لا أعتقد أن اي شعب قادر على تحمله إن صار بشكل مفاجئ لا تجار ولا مواطنين!
من المثير للدهشة أن صندوق النقد الدولي الذي من المفترض أن يكون هدفه هو مساعدة الدول النامية والفقيرة على تحسين جودة الحياة ورفع مستوى معيشة مواطنيها لم يتم تسجيل أي حالة لدولة اقترضت من صندوق النقد وشهدت أي انتعاش اقتصادي أو تحسن على أي مستوى من المستويات، بل ينتهي بها الأمر دائما في حلقة مفرغة من الاستدانة ومحاولة سداد الأقساط مما يؤدي لإنهاك الدولة وإضعافها، وهذا يرجع للشروط الصارمة التي يضعها الصندوق لضمان قدرة الدولة على سداد الأقساط، وهو ما قد يؤدي بالفعل إلى زيادة سعر صرف الدولار من 1 إلى 100 لكن في أغلب الأحوال قد يستغرق الأمر بضع سنوات
التعليقات