لطالما لاحظت بأنني أمشي ذهابًا وايابًا حينما أتحدث عبر هاتفي سواء كان مع أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء! هل هناك تفسير لهذه العادة؟
لماذا بعضنا يمشي ذهابًا وإيابًا عند التحدث عبر هاتفه؟
أنت لا تذرع المكان جيئة وذهابا فقط بل على الأرجح تحرك يدك أيضا وتطرق برأسك تنظر إلى الأرض, أحيانا قد تبدأ بلمس أشياء بالمكان يقع بصرك عليها, أليس كذلك؟
كبشر خُلقنا لنجري العملية التواصلية مع بعضنا البعض ليس عن طريق استخدام سمع الأصوات فقط بل عن طريق تلقي المعلومات البصرية أيضا من محادثينا, فنحن عند الكلام نحرك عضلات وجهنا من أجل التعبير العاطفي المناسب بشكل تلقائي, فنصنع ملامح السرور وملامح الحزن والجد والمفاجأة قصد إيصال المعنى للمتلقي, أيضا نحرك جسدنا, رأسنا وأيدينا, ونغير نبرة صوتنا ...إلخ. كل هذه المعلومات السمعية والبصرية يحللها دماغنا لفهم المحادثة مجملا.
الهاتف اختراع بشري لا وجود له بالطبيعة, وتلقي المحادثات فقط عن طريق السمع دون تلقي المعلومات البصرية يُربك أدمغتنا, بل نحن غير قادرين على بعث رسائل بصرية للطرف الآخر أيضا. فما نفعله هو الحركة, فنحن وإن كان محادثنا لا يرانا عبر الهاتف ولكننا سنبقى لا نزال نصنع تعابير بملامحنا وإشارات بأيدينا لأننا مبرمجين على ذلك, وعندما نتلقى كلاما منه قد نطرق برأسنا ننظر إلى الأرض نركز بالكلام لفهمه لأنه منقوص من ناحية المعلومات البصرية بالنسبة للدماغ, وسيؤدي ذلك للحركة وذرع المكان جيئة وذهابا في محاولة لتعويض النقص الحاصل بالمعلومات كحيلة من الدماغ.
لذا تجد أن هذا التصرف يشتد أكثر عندما يكون المخاطب شخصا غريبا أو لا نتعامل معه كثيرا, في حين أننا قد لا نفعل نفس الأمر إن كان المخاطب فردا من العائلة أو صديقا اعتاد عليه الدماغ وحفظ معلوماته البصرية وربطها مع السمعية منها.
شكرا لك جواد ماطرحته افادني فلقد دخلت لهذه المساهمه باحثة عن السبب ، لكن ماذا قولك عن من لا يقوم بالحفظ الا عند السير و كلما كان الموضوع صعبا كلما كان يسير اكثر وبمكان اوسع ؟؟
يتألف الدماغ من عدة أجزاء كل جزء له مهام مختلفة, وتتداخل مهام الأجزاء فيما بينها, كما تفرز خلايا الدماغ العديد من المواد الكيميائية تسمى نواقل عصبية التي لها أيضا مهاما مختلفة ومتداخلة, مثلا "السيروتونين" مسؤول عن الذاكرة والنوم والشعور بالسعادة...إلخ, ويتم إفرازه بشكل دوري بالدماغ عندما نمارس حياتنا اليومية خصوصا عندما نمارس نشاطا رياضيا أو حركيا.
عندما نقوم بالمراجعة أو محاولة الحفظ فإن أجزاء الدماغ المسؤولة عن عملية الحفظ والتفكير تبدأ بالاشتغال وإفراز المواد الكيميائية, وعندما نشعر بأننا عاجزين وغير قادرين على التركيز والحفظ فإن دماغنا يدفعنا للحركة والسير لأننا عندما نسير سيفرز الدماغ نفس المواد الكيميائية التي يفرزها ونحن نحفظ وندرس, وستشتغل أجزاء من الدماغ تشارك في عملية الحفظ, وهكذا وكأن الحركة والسير يمنح الدماغ نشاطا للاشتغال أكثر.
هذه العادة عموما مفيدة نوعا ما، فليس من الجيد الجلوس لفترة طويلة، وينصح الأطباء بالحركة كل نصف ساعة لتجديد الدورة الدموية، ولكن من ناحية السبب أعتقد أنها ربما تكون نتيجة الاندماج في الحوار أو الشعور بالحماس، أو حتى الشعور بالملل، فأنا أحيانا أسير ف الغرفة اثناء محاضرات الفيديو أو الحديث في الهاتف بسبب الشعور بالملل من الجلوس لفترة طويلة.
هذه العادة جميلة ومحفزة لتوليد الأفكار ولا أستخدمها فقط أثناء الحديث عن الهاتف وإنما أيضا عندما أقوم بالمذاكرة أو حفظ بعض القواعد، أفضل المشي لأنه يساعدني على التفكير و الإدخال المعلومات بشكل أسرع، والأكيد أنه له نتائج مبهرة.
وقد وجدت أن هناك دراسة أجريت في جامعة ميونخ ونُشرت في "بريتش جورنال أوف سيكولوجي" توصلت الى أن المشي 4 آلاف خطوة يومياً يحسن من نشاط الدماغ، وأن الوصلات العصبية بين مناطق الدماغ والأجزاء المسؤولة عن التذكّر تكون في أفضل حالاتها أثناء ممارسة تمارين المشي.
الإنسان يحتاج إلى تفريغ الطاقة الكافية للتركيز، حيث أن الاستغراق في شيء يستدعي أن نبذل فيه جهدا ذهنيًا، والجهد الذهني يتطلب قدرًا من النشاط الذي نحتاج إليه بشكل لا إرادي كي نستطيع الاستغراق في الأمر. وخلال المكالمات الهاتفية، نقوم باستهلاك وقت كبير في الاستغراق في التفكير أو التحدث حول أمر مهم في معظم الأحيان، مما يتطلب حماسة أو حركة لتخفيف التوتر الذي يفرضه التفكير بشكل ما. هذا هو تخميني.
التعليقات