في لحظة يتصاعد فيها الغضب بسبب حرب غزة واستمرار معاناة الفلسطينيين، أقدمت مصر على توقيع صفقة غاز هائلة مع إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، وهو اتفاق رآه الإعلام الإسرائيلي أكثر من مجرد تجارة، بل أداة يمكن أن تُستخدم للضغط على القاهرة إذا حاولت اتخاذ مواقف سياسية أكثر تشددًا تجاه فلسطين وغزة خصوصا وأن الكيان يمكنه عندها الضغط بشل الاقتصاد، بينما أشارت صحيفة عربية إلى أن مصر قد تلوّح بإلغاء الصفقة أصلًا بحجة أنها لم تُعرض على البرلمان، لتبقي الباب مفتوحًا أمام الرد إذا شعرت بالغدر. المفارقة أن ما يُقدَّم كخطوة لتعزيز الاستقرار الطاقي قد يتحول إلى سلاح جيوسياسي مزدوج، يربط المصالح بالدم، ويجعل السؤال المطروح على الطاولة: أيهما يحكم العلاقات بين الدول في النهاية، الاقتصاد الذي يفرض الترابط، أم السياسة التي تعيد تعريف هذا الترابط حين تصبح غزة وفلسطين محور الصراع؟
أيهما أهم على طاولات الدول: المصالح السياسية أم الاقتصادية؟
دعنا نضع النقاط على الحروف في عالم السياسة ليس دائما المصالح الاقتصادية ما تحكم ولكن الاقتصاد نفسه يحكم.
بمعني يبرر الكثير ان صفقة الغاز هذا هي ارخص صفقة غاز يمكن توقيعها وان الاقتصاد سيستفيد وو... ولكن إن نظرنا لامر من زاوية مختلفت فكان بالامكان جدا الاستغناء عن الغاز الإسرائيلي لصالح دولة عربية او دولة اخري وحدا إن كان السعر اعلي فهذا لا يعني ان تتخلي مصر على دورها الاقليمي فهذا الصفقة اولا تضعف الموقف السياسي المصري ثانيا تغذي الاحتلال وتدعم مسيرته في استمرار الحرب وتضيف ورقة ضغط اخري على مصر فوق الاوراق المفروضة والانسحاب منها بعد ذلك لا يكون بهذا السهولة التي يتصورها البعد.
إذا السياسي الذكي هو من يوازن بين المصالح الاقتصادية و النفوذ السياسي المتصاعد لا الذي يهتم بالاقتصاد فقط على حساب نفوذه السياسي.
إن نظرنا لامر من زاوية مختلفت فكان بالامكان جدا الاستغناء عن الغاز الإسرائيلي لصالح دولة عربية او دولة اخري
من مصلحة مصر أن تأخذ الغاز من العدو الصهيوني لأنه سيرسلها لها في أنابيب ولو أخذته من دولة أخرى مثل قطر أو تركيا مثلا فسيحتاج إلى تسييل ونفقات إضافية فبالنسبة لمصر هو غاز رخيص، لكن الغريب أن مصر أبرمت الصفقة وتركت لنفسها مخرجا قانونيا للانسحاب منها وقت الحاجة فلماذا أصلا أبرمتها من البداية طالما أنه بنسبة 50% سوف تلجأ للحصول على الغاز من دولة أخرى؟
الحقيقة أن مصر هي من وضعت نفسها في قلب الفشل، لا أحد أجبرها. هي التي ربطت اقتصادها بعدوها التاريخي، وهي التي وقّعت على صفقة تجعلها رهينة لغاز إسرائيلي حتى 2040 بينما غزة تنزف. هذا ليس ذكاءً استراتيجيًا ولا براغماتية، بل انكشاف وضعف وتخلي عن أي ورقة ضغط. كيف يمكن لدولة أن تزعم دعمها لفلسطين وفي الوقت نفسه تُغذّي اقتصاد الاحتلال بمليارات الدولارات؟ كيف يمكن أن تتحدث عن السيادة وهي تجعل أمنها الطاقي في يد من يحتل جيرانها؟
مصر لم تُجبَر على هذا الطريق، بل اختارته، وبالتالي فهي شريك في صناعة المأزق، لا مجرد ضحية له. هذا ليس فشلًا عابرًا، بل انسحاب متعمد من دورها التاريخي كقوة قادرة على فرض الموازين، لتتحول إلى طرف يُدار من الخارج. ببساطة: مصر صنعت قيودها بيدها، ثم سلّمت مفاتيحها لإسرائيل.
الواقع الاقتصادي الصعب يفرض خيارات محدودة خاصة بعد تعرضنا لأزمة سابقة وتأثرت قطاعات كثيرة وقتها، وهذا لا يلغي أن مصر تبقى أكثر دولة تتحرك سياسيًا لوقف الحرب، وتدعو للهدنة، وتستضيف الفصائل الفلسطينية للحوار، وتستقبل جرحى فلسطين بمستشفياتها وتقدم لهم أعلى خدمة صحية بشهادتهم هم، إذًا لا يمكن اختزال موقف مصر في هذا الموقف، بل هي من تتحمل العبء الأكبر سياسيًا وإنسانيًا بينما كثير من الدول اكتفت بالصمت.
وهذا لا يلغي أن مصر تبقى أكثر دولة تتحرك سياسيًا لوقف الحرب،
لذلك فأنا أرجح أن الأمر ما هو إلا مناورة سياسية أكثر من خيار اقتصادي، فمصر على الأغغلب ستلجأ بعد ذلك لفسخ الصفقة وإإلغاءها لأن العدو لن يتوان عن تهجير الفلسطينيين ولذلك ربما مصر تحاول الكسب من ناحيتين: الأولى هي الحصول على غغاز رخيص حتى ولو لفترة معينة، والثانية هي إوهام أمريكا أنها في مرحلة اللا حرب مع العدو، وهذا يفسر من ناحية أخرى الإعلان عن مناورة النجم الساطع والتي لن تقوم أمريكا بعملها مع مصر وهي تشك أنها في احتدام مع الكيان. فأنا أظن أن مصر تحاول خداع الجميع خصوصا وأن أمريكا تحاول استرضاءها بإرسال الأسلحة لها.
هذا ليس فشلًا عابرًا، بل انسحاب متعمد من دورها التاريخي كقوة قادرة على فرض الموازين، لتتحول إلى طرف يُدار من الخارج.
لا يمكننا الجزم أنّ بهذا القرار الاقتصادي يمكن لمصر أن تُدار من الخارج فمصر دولة كبيرة ولها وزنها في المنطقة ولن يستطيع أحد التعدي على سيادتها. ولكن قد نقول أن هذا ربما يكون خطأ مسؤول أو ربما مناورة سياسية من يدري؟ في النهاية يجب أن نضع في اعتبارنا أن المتضرر الأول من تهجير أهل غزة سياديا وليس شعبيا هو مصر واضعين في الاعتبار الحفاظ على القضية وحقن دماء إخواننا لكنني أظن أنه بما أن مصر لم تعرض القضية على البرلمان فهي تفعل هذا متعمدة لتكون هذه نقطة خلاص في وقت الحاجة. لأنهها لو أرادت الاستقرار والمهادنة مع العدو لعرضت الأمر على البرلمان من أول يوم أليس كذلك؟
ما يحكم العلاقات برأيي لا هذا ولا ذاك العلاقات فقط تحكمها المصلحة فقط، كل الكبار في العالم سياسين أو صناع قرار أو أصحاب نفوذ أو مال بلا استثناء على استعداد لتوقيع عقد مع الشيطان إذا تطلب الأمر ذلك طالما هناك مصلحة وقيمة ستعود عليهم أو خطر سيتم تلاشيه، أما غزة فلها التقدير على مواقع التواصل وبيانات التنديد ومانشتات الصحف
التعليقات