لطالما كنت أعتقد أن العيد هو فترة للراحة والفرح، لكن التزامات العيد الاجتماعية أصبحت في بعض الأحيان عبئًا ثقيلًا، فالزيارات المتكررة وتنظيم اللقاءات والتوقعات التي لا تنتهي، وكذلك التجهيزات المرهقة مثل شراء الملابس الجديدة وتجهيز الطعام وتحضير الهدايا والحرص على إرضاء الجميع، كلها أشياء قد تجعل العيد يبدو وكأنه تحدي أكثر من كونه مناسبة للاحتفال، ففي بعض الأحيان أشعر بأن الضغوط الاجتماعية تأخذ مني طاقتي وتجعلي أكثر قلقًا بدلاً من الاستمتاع باللحظات. كيف يمكننا أن نعيد للعِيد معناه الحقيقي بعيدًا عن هذه الضغوط؟
التزامات العيد الاجتماعية أصبحت عبئًا على الصحة النفسية
العيد في جوهره مناسبة للفرح والتقارب، وليس اختبارًا للالتزامات والضغوط. يمكننا استعادة معناه الحقيقي من خلال تبسيط الاستعدادات، التركيز على اللحظات الصادقة بدلًا من المثالية الاجتماعية، ووضع حدود صحية تحافظ على طاقتنا. الأهم هو أن نشعر بالسعادة والراحة بدلًا من الإرهاق، فالعيد احتفال بالحياة، وليس سباقًا للإرضاء.
ممتاز، لكن هل تعتقد أنه يمكننا القيام بذلك حقًا؟ برأيي الأمر ليس بسيطًا كما يبدو، في ظل الضغوط الاجتماعية والتوقعات المتزايدة حول كيفية الاحتفال بالعيد، يصبح من الصعب تبسيط الأمور والابتعاد عن المثالية، لأن هناك دائمًا التزامات ومهام تضعنا في سباق مع الوقت، مما قد يعوق قدرتنا على الاستمتاع باللحظات الصادقة والراحة الحقيقية، فحتى لو كنا نطمح لهذا النوع من الاحتفال، فإن الواقع يتطلب منا جهدًا كبيرًا لتحقيقه وسط كل هذه التوقعات.
الفكرة أن الناس تتجاوب بسرعة مع المعايير التي يفرضها المجتمع كمعايير للاحتفال حتى لو كانت خارج طاقته المادية، فمثلا تجدين العائلات يشترون ملابس جديدة من بداية من الملابس الداخلية لملابس الخروج وحتى بيجامة البيت وصولا للحذاء، كل شيء جديد تخيلي لو لديك 3 أولاد كم ستحتاجين لذلك، بالعموم لست ضد لبس الجديد فحتى أنه يبعث البهجة لكن بدون إفراط ملحوظ. هذا بجانب مصارعة الكحك والبسكويت والشوكولا التي لا تنتهي، وحتى الخروجات، وهناك منافسات بذلك، المشكلة لو نعمل كل هذا دون منافسات من الأفضل سيكون الوضع مختلف
ربما المشكلة ليست في العيد، بل في التوقعات التي نحملها تجاهه. من قال إن العيد يجب أن يكون ماراثونًا اجتماعيًا لإرضاء الجميع؟ ربما علينا إعادة تعريف العيد وفقًا لما يجعلنا نشعر بالبهجة فعلًا، لا بما تمليه العادات والتقاليد التي تحولت إلى طقوس مرهقة. ماذا لو احتفل كل شخص بالعيد بطريقته الخاصة، حتى لو كان ذلك يعني عدم حضور كل التجمعات، أو حتى قضاء اليوم في هدوء تام؟ ربما العيد لا يتعلق بعدد الزيارات أو الهدايا، بل بلحظات صادقة من السلام مع النفس ومع من نحب، حتى لو كان ذلك خارج كل القواعد المتوارثة.
لا يدرك الكثيرون هذا الأمر بتلك البساطة، وأعتقد أنه إذا اتبعنا هذا الأسلوب سنخرج من العيد بعد خسارة الكثير من المقربين، فالعيد بالنسبة لمعظم الأشخاص ليس فقط فرصة للاحتفال، بل هو أيضًا وقت لتأكيد الروابط الاجتماعية والتواصل مع العائلة والأصدقاء، وإذا غابت هذه الزيارات والتجمعات، قد يشعر البعض بالخذلان أو الإهمال مما قد يؤدي إلى فتور في العلاقات، فحتى وإن كانت الفكرة رائعة تظل هناك ضغوط اجتماعية قد تجعل من الصعب تنفيذها دون التأثير على علاقاتنا، لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى إيجاد توازن بين ما نحتاجه من راحة وما يتوقعه الآخرون منا، بحيث نحفظ علاقاتنا ونحافظ على سلامتنا النفسية في الوقت ذاته.
أتفق تمامًا مع فكرة التوازن، فمن الصعب تجنب الضغوط الاجتماعية تمامًا دون أن يكون لذلك ثمن، لكن التضحية لا يجب أن تكون دائمًا على حساب علاقاتنا. في النهاية، أي خيار نتخذه يتطلب أن نتخلى عن شيء آخر، سواء كان ذلك بعض التوقعات الاجتماعية، أو فكرة الكمال في تلبية رغبات الجميع، أو حتى جزء من الراحة التي نبحث عنها. ربما الحل ليس في رفض الالتزامات الاجتماعية، بل في إعادة تشكيلها بطريقة تناسبنا، بحيث نجد مساحة للراحة دون أن نشعر بالذنب، ودون أن نخسر ما هو مهم حقًا.
ربما المشكلة ليست في العيد نفسه، بل في التوقعات المرتبطة به. تحوّل العيد من كونه وقتاً للفرح إلى قائمة طويلة من الواجبات يمكن أن يستهلك الطاقة بدلاً من منحها. الحل قد يكون في تبسيط الأمور: التركيز على لقاءات حقيقية بدلاً من المجاملات، تقبل أن ليس علينا إرضاء الجميع. كل شخص يمكنه أن يصنع نسخته الخاصة من العيد، بحيث تناسبه نفسياً واجتماعياً
المشكلة أن هناك أفرادًا نحن مسؤولون عن سعادتهم، وهذا يجعلنا نشعر أحيانًا أننا يجب أن نلبي كل احتياجاتهم ورغباتهم، حتى لو كان ذلك على حساب راحتنا،. في العيد هذه المسؤولية قد تزداد، حيث نضع توقعاتنا وأوقاتنا جانبًا لكي نحرص على أن يكون الجميع سعيدًا، أعتقد أننا لو تخلينا عن هذا العبء وسمحنا لأنفسنا بالاحتفال بطريقة تتناسب مع احتياجاتنا الشخصية، سيكون العيد وقتًا للراحة والفرح بدلاً من أن يكون تحديًا لإرضاء الجميع لكن لا يمكن لمعظمنا القيام بذلك.
السعي وراء إرضاء الناس على حساب الصحة النفسية ليس قرارا حكيما. ربما العيد فاقم المشكلة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن وراء السعي وراء إرضاء الناس، وليس الالتزامات! بدلا من الضغط على النفس بقدر لا يمكن تحمله من الضغط، يمكن الاستمتاع بكل لحظة من العيد، وتذكر أن رضا الناس غاية لا يمكن الوصول إليها!
شعورك بالمسئولية عن سعادة أحدهم شعور عظيم أقدره، ولكن تذكري أن الاعتناء بنفسك ليس أنانية، بل هو ضرورة. عندما نكون في أفضل حالاتنا، نكون أكثر قدرة على تقديم الدعم للآخرين. لذا، اسمحي لنفسك بالاستمتاع بالعيد بطريقتك الخاصة، ولا تشعري بالذنب تجاه ذلك.
التعليقات