هل يُعد التجنيد الإجباري ضرورة لتعزيز الأمن والانتماء الوطني، أم أنه انتهاك للحرية الفردية وتقييد لفرص الشباب في بناء مستقبلهم؟
التجنيد الإجباري: مع أو ضد؟
للأسف هو موجود ولا يعزز الأمن أو الانتماء الوطني أو غيره.
يخرج الشاب منه كما دخل بل أسوأ في نظرته إلى بلده.
ذلك لأنه يُطبق بشكل يظلم الشاب ويظلم مستقبله ولا يعوضه عما يترك من شهور أو سنين حياته.
ولنقف على عيوب التطبيق والمنهجية في حق الشاب فيمكن أم نؤلف كتبًا في ذلك.
اتفق انه يطبق بشكل خاطئ في اغلب نواحيه, وأري ايضًا أن فئة السنة لطلاب الكليات ليست كافية للتدرب علي ائ شئ. هي مضيعة للوقت, خصوصًا ان كثير جدًا من الجنود لا يعملون في تخصص عسكري عند الإلتحاق بالجيش وقد يكون عملًا مدنيًا تابع للجيش. الاحري ترك البابا مفتوحًا لمن يريد الإلتحاق كجندي بمرتبات مجزية, وهذا هو الحال في الجيوش التي لا تخضع شعوبها للتجنيد الإجباري. ومع ذلك, تٌفضل جيوش التجنيد الإلزامي لقلة المتقدمين, ولمن لا يفضلون الحياة العسكرية. ده بالإضافة إلي التكلفة العالية لدفع رواتب جنود مجزية لكل هذا العدد الذي يأتي به التجنيد الإلزامي.
أسوأ ما يمكن أن يواجه الشاب هو التجنيد الاجباري، يأخذه الجيش لكي يضيّع سنتين من حياته بالأحوال الطبيعية أو ١٠ بالحرب كما سوريا لكي يقوم بواجبه اتجاه المجموع، ولذلك إذا ما أردنا نقاش الأمر فردياً فنحن نتحدث عن وزن مليء بالسلبيات وبعض الايجابيات القليلة التي تنعكس على الشخصية لا أكثر ولكن إذا ما أخذنا الأمور بشكل جماعي فهذا يعد نعمة كبيرة جداً، الجيش يصبح هنا القوة التي تحمي البشر من عذاب الأشرار ومخططاتهم، يعني يصبح الجيش حامي العقد الاجتماعي أو الدستور الذي اتفقنا كجماعة على الالتزام به من كل قلبنا، يعطينا الجيش الاستقرار اللازم لارساء مبادئنا على الأرض التي نعيش فيها، يسمح لنا الجيش بإرهاب من حولنا لكي يخففوا من تطلعاتهم سواء للاقتراب وسرقة مواردنا أو حتى للتفكير بالاستفادة من أرضنا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، يعني الجيش القوي يصنع لنا استقرار قوي بالمنطقة وبالمقابل استثمارات أقوى وأمان أعلى واستقطاب للسياحة أكثر، كل شيء يتحسن عند الجيش القوي، على عكس بلدان الحرب والارهاب.
للذلك برأيي أن العذابات الفردية للمنتسبين للتجنيد تصنع الأفراح الجماعية ل كلّنا كأبناء بلد.
لا ريب في اهمية الجيش، خصوصًا في إقليم ومنطقة مضطربة كالشرق الاوسط. فأهمية الجيش تزداد بازدياد بؤرة الصراع في المنطقة المحيطة. وكلما كان الجيش قوي كلما كانت الدولة مستقرة وامنة. النقطة هنا هي طريقة تكوين الجيش. بدء التجنيد الإجباري في مصر مثلًا منذ محمد علي باشا عام ١٨٢٢، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف وإن شهد تغييرات وتطورات في شروطه واحكامه. مصر شهدت فترات كبيرة من السلام في خلال القرنين الفائتين ومع ذلك لم يتوقف التجنيد الإجباري. انا اعتقد أن وجود دفعة محدودة او متوسطة العدد من الجنود المختارين مثلهم مثل الضباط وصف الضباط، افضل من مئات الالاف من الجنود الذين يدخلون الخدمة سنويًا. التدريب والتخصيص لفئة محدودة من الشباب الذين اختاروا بأنفسهم الطريق العسكري سيكون في رأيي افضل. ولكن اعتقد أن الجيش يفضل التجنيد الإجباري لجلب قوة عاملة تعمل في القطاع المدني الخاص بالجيش توفيرًا للنفقات بدلًا من جلب عمالة مدنية بمرتبات مجزية. أنا أؤمن أن التجنيد الإجباري يمكن الاعتماد عليه في حالة وجود حرب تخوضها الدولة كما في سوريا وروسيا واوكرانيا.
بغض النظر عن السلبيات والمشاكل التي يعاني منها المجندين في بعض البلدان، من المفترض أن التجنيد ضرورة لحماية الوطن وتعزيز الأمن والأمان، كما ألاحظ دائمًا أن التجنيد يمنح الشباب شعورًا بالمسؤولية ويجعلهم أكثر قدرة على تحمل الأزمات والتعامل معها بأفضل الطرق، وكذلك يكون للتجنيد دور هام في تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع أثناء الخدمة في الجيش ومنح الشباب مهارات القيادة الضرورية.
كجندي سابق، اتفق معك في إيجابيته، فالتجربة العسكرية وإن كانت قصيرة إلا انها قوت شوكتي وجعلتني اكثر تحملًا للصعاب. وعندما تمر علي أزمة أو يوم صعب، اتذكر أيام الجيش لتذكير نفسي بما مررت به من ليالي كاحلة اعتقدت حينها أن لا صباح لها. الجيش علمني بالتجربة مقولة خليل جبران التي كنت احتفظ بها في محفظة النقود لتقويني علي الحياة العسكرية. فيقول خليل جبران:
" صدقني لو فقدت ما فقدت، لو كسر الحرمان أضلاعك، ستجتاز هذه الحياة كما يجتازها كل أحد، فاختار الرضا يُهن عليك العبور."
ولا يجب أن انسي ذكر انه في الجيش تعرفت علي اصدقاء احسبهم اصدقاء عمري، ومنهم من حضرت له حفل زفاف ومنهم من حضر لي حفلات ومناسبات اسرية. كانوا خير الصحبة وخير المعين في سنة جيشي. اميل للاعتقاد أن العلاقات الاجتماعية السوية التي تتكون في الجيش تدوم للابد، وذلك بسبب طبيعة تكوينها، فالمرء يكون نفسه في مثل هذه الظروف الصعبة ولا يميل للاصطناع او التزييف في اوقات متوترة، ويكون علي سجيته وطبيعته بلا رياء، فتتكون علاقات في اغلبها صحية وبريئة بين شباب عملوا وحملوا وتعبوا وناموا واستيقظوا وضحكوا وبكوا معًا. فنعم تلك الصحبة.
لا أظن أن المشكلة تكمن في فكرة التجنيد الإجباري نفسها، بل في كيفية التعامل مع الشباب أثناء فترة التجنيد. فمن خلال تجارب بعض معارفي الذين أنهوا فترة تجنيدهم، فعلى مدار سنتين، هم لا يتعرضون لأي شيء يعزز الانتماء الوطني لديهم، بل يتعرضون لألوان من الإهانة والعيش في ظروف غير آدمية دون تبرير أسباب ذلك أو كيف يعود هذا بالنفع على وطنه أو على شخصيته أو أي شيء، وبالتالي ينهي الشاب فترة التجنيد ناقما على وطنه وعلى جيش وطنه ولا يفكر في أن يلتحق بتلك المنظومة مطلقا بأي شكل من الأشكال
انا شخصيًا اديت خدمتي العسكرية, وكانت الحجة التي تتٌلي علينا كلما انكرنا الطريقة المقززة التي نٌعامل بها, هو أننا بحاجة أن نصلب ونثقل هامتنا ونشحن رجولتنا لأن الحياة العسكرية ليست بالحياة المدنية. اعتقد أن السبب الرئيسي في شكوانا اصلاً من الطريقة التي ربما تكون طبيعة الجيش نفسه, هو أننا لم نختار هذا المسلك من البداية, بل فٌرض علينا. ولذلك ننكرة ونشكو منه بشكل مستمر.
التعليقات