مع شخص أهميته عندك وسطى، فهو زميل مثلًا، لا صديق ولا غريب عنك تمامًا، وتجده في حوار معك قد تحول هجوميًا، بما يوضح أنه لن يتحرك عن قناعاته المسبقة خطوة، فهل تظل تتابع الحوار معه، أم تدرك أن لا فائدة معه؟
حين تناقش زميل وتجد أسلوبه تحول للهجوم، فهل تتابع، أم ترحل عنه؟
إذا أدركنا أن النقاش مع شخص ما قد تحول إلى هجوم ولم يعد مفيداً، فقد يكون من الأفضل أن ننسحب، فالنقاش لا يمكن أن يكون بناء إذا كان الأسلوب هجومياً، ومع ذلك إذا كان هدفنا هو فهم وجهة نظر الشخص الآخر أو التعبير عن رأينا بشكل بناء، يمكننا الاستمرار مع الحفاظ على هدوئنا حتى نصل معه إلى النهاية، لكن على أي حال، من وجهة نظري إذا كان هدفنا هو تغيير قناعات الشخص الآخر، فقد تكون هذه المحاولة صعبة وغير مجدية، لأن كل شخص سوف يتمسك برأيه حتى لو كان خاطئاً وخاصة في ظل الهجوم الثابت، لذلك من الأفضل أن نركز على فهم بعضنا البعض بدلاً من محاولة تغيير الآراء
نعم محاولة تغيير القناعات كليًا أمر غير مجد في أغلب الأحوال، لكن النقاش يكون لأجل تقارب طرفي النقاش ليقفا على أرض مشتركة، ما يستدعي التنازل الجزئي عن بعض الآراء المستقاة من القناعات الأولية.
فهل إذا كان الغرض من هذا النقاش الوصول لرؤية مشتركة، ففي رأيك هل يمكن لنا تقديم أول تنازل لمحاولة تهدئة وكسب الطرف المهاجم؟
أم تنازلنا سيحسب علينا أننا غير مقتنعين كليًا بآرائنا، مما سيجعله يتابع الهجوم ظنًا أن تنازلنا كان من مكاسب هجومه؟
لكن النقاش يكون لأجل تقارب طرفي النقاش ليقفا على أرض مشتركة
إن كان الطرف الآخر لا يسعى للتقارب ولكن التصادم، فإن تبادل وجهات النظر معه سيصل إلى طريق مسدود، لأن النقاش يختلف عن الجدال، النقاش يبدأ على أرضية مشتركة وينتهي بها. ولا يوجد أطراف خاسرة لأن هدفهم النهائي هو زيادة الوعي، أما الجدال فهو لا يبدأ على أرضية مشتركة من الأساس ولو حاول الطرف الآخر إثبات عكس ذلك، وبالنالي فإن الأمر ينتهي بخسارة جميع الأطراف أو على الأغلب مكسب الطرف الأكثر جدلًا، وبالتالي لا يحقق منافع أو مصالح مشتركة، بل يخدم أجندات ونظريات خاصة.
نعم سأتابع الحوار لمحاولة إقناعه وتوضيح وجهة نظري بشكل جيد أولًا، وذلك قبل الانسحاب التام من الحوار بعد التأكد من أنه لا جدوى من النقاش، لكن إذا كان الهجوم يتضمن كلمات مهينة أو عبارات غير لائقة بالتأكيد لن أحاول متابعة الحوار أو حتى التحدث معه مرة أخرى.
بالتأكيد الهجوم المهين يحول النقاش إلى شجار، وهنا نكون انتهينا. لكن أن يهاجم آرائنا وأفكارنا فهو شجار من نوع آخر يمكننا التصدي له إن أردنا، فهل ستتابعين الشجار الفكري -لتوضيح وجهة نظرك كما ذكرتِ- بالقوة أيضًا إذ "لا يفل الحديد إلا الحديد"، أم بهدوءكِ المعتاد؟
بالقوة أيضًا إذ "لا يفل الحديد إلا الحديد"، أم بهدوءكِ المعتاد؟
بل على العكس أرى أن استخدام القوة في هذه الحالات تدل على الشك وعدم الثقة في وجهة النظر، وهذا دائمًا ما أشعر به عند محاورة أي شخص يستخدم القوة لإثبات وجهة نظره، على عكس الأشخاص الذين يتميزون بالهدوء والحكمة وتقبل الرأي والرأي الآخر بغرض الإقناع، فالقوة لن تجدي نفعًا في الكثير من الأحيان بل ستؤدي في الغالب إلى تمسك الطرف الآخر برأيه بشكل أكبر.
إذ "لا يفل الحديد إلا الحديد
نفسيا وسلوكيا هذه النظرية يا عمر لا نستخدمها في جميع الحالات؛ فمثلا مع الشخص المتمرد لا يمكن استخدام هذه الطريقة معه لأنه سيتمرد أكثر.
مثلا: كنت في نقاش مع زميلة بخصوص أهمية حساب لينكيد إين بالنسبة لها ولعملها معي خصوصا وأنها تقريبا هي الوحيدة التي تتواجد معي في المؤتمرات الدولية، وكانت هي ترفض فكرة إنشاء حساب لأنها تكره مواقع التواصل على حد وصفها وهي تعتبر لينكيد إين مثل فيسبوك وتويتر مثلا.
أنا في ذلك الموقف كنت أتعامل مع شخصية عنيدة وأنا أعرفها فلو حاولت إقناعها بفكرتي وتشبثت برأيي ربما لكانت زادت في عنادها أكثر؛ لكنني في هذه الحالة كل ما فعلته هو أنني حاولت الاستعانة بطرف ثالث يضحد لها حجتها ويقنعها بأن قناعاتها بخصوص هذه القضية خاطئة تماما، وبعدها بدأت أن أقنعها بحجتي تدريجيا حتى اقتنعت.
أنا أوافقك بسمة، فإذا لم يتحول الهجوم إلى شخصي فأنا سأكمل في الحوار وقد أتحمل هذا الهجوم للنهاية بل أحلل حتى أسبابه وأستطيع الوصول إلى حل وسط؛ لكنني دائما ما أتجنب الدخول في صراعات من الأساس فأنا في البداية أضحض الحجة بالمنطق ثم بعدها أقيم حجتي لو كانت صحيحة وأنا ملم بكل جوانب الحوار؛ لأنه ليس من الضروري أن أكون دائما على صواب.
انتبهت إلى كلمة السر في هذه المواقف مؤخرًا وهي أن أتوقف عن الحوار تمامًا وأعطي مشاعره لحظة اهتمام. أسأله إذا ما كان بخير قبل كل شيء وأؤكد على أنني لا أريد أن أضر به. ثم أخبره بأنني لن أتحدث معه وهو بحالة هجومية؛ وبذلك أترك له مساحة ليراجع نفسه ثم نستأنف النقاش في وقت لاحق.
على حسب الموضوع الذى نتناوله فلو موضوع تافه من الأساس، فلا يعني لي شئ أن أكمل النقاش معه، لكن إن كان نقاش مهم سينتج عنه قرار أو تنفيذ أو سلوك أو فعل ستحدث تغيير فى أنا شخصياً أو فيه لامانع سأكمل، حتى لو كان من الغرباء سأكمل النقاش معه ولكن توضيح أنى لا أهاجمك وأن الإختلاف فى الرأى لايفسد فى الود قضية، وهكذا لتخف حدة النقاش، مع ملاحظة تجنب الجدال.
التعليقات