عامل دليڤري في كندا أم مهندس في دولة تعاني اقتصاديًا، أيهما أفضل من وجهة نظرك؟

عندنا في سوريا ممثل سوري مشهور جداً اسمه جهاد عبدو، اختار فجأة بعد الأزمة أن يغادر البلاد مع زوجته لكي يخرج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حين خرج فقد شهرته كلها بأكملها واشتغل ديليفري بيتزا فعلاً! كانت صدمة بالنسبة له، من أشهر ممثلي سوريا إلى ديليفري بيتزا ولكن السؤال هل للبلاد أي تأثير غلى الشخص ونجاحه؟ لا أعتقد ذلك نهائياً، فالناجح ناجح في كل مكان برأيي، فهذا مثلاً جهاد عبدو اضطر لتغيير اسمه بسبب مشاكل اسمه هناك وأسمى نفسه جاي عبدو، حاول الاجتهاد والعمل على نفسه ولغته وموهبته..الخ خلال أقل من ٦ سنوات هذا الرجل الآن استطاع التمثيل مع نيكول كيدمان في فيلم هوليوودي وعدة أفلام أخرى، عمل في عدة أفلام قصيرة وأخذ حالياً طريقاً عالمياً في التمثيل استطاع أن يفتحه بطريقة غير معقولة نهائياً بإصراره، عامل الديليفري يستحيل أن يبقى على حاله إلا لو كان يعتقد أن البلاد يمكن أن تؤثر عليه، جهاد عبدو بمثالي، لم يتأثر بهذه الفرضيات النفسية واعتمد على ما يتقن، موهبته

هناك مثل مغربي يقول (قطران بلادي ولا عسل البلدان) وهناك مثل أخر يقول ( لِخَرج من دارو قل مِقدارُ ) وأظن أنها صحيحة الى حد ما، لأنني ولو سأغدر بلدي لأهان في بلاد الغير وأعمل في عمل يهين كرامتي وقدري، فالأفضل أن أظل بقيمتي ومع عائلتي وأهلي وفي بلادي على سوء حالها، فهذا أحفظ لقيمتي المعنوية والشخصية، الاشكالية هنا ليست في الوظيفة بحد ذاتها بل بنظرة الأخر العنصرية تجاه الغريب، وخصوصا في البلدان الغربية.

في نظري المعادلة لم تعد متعلقة بالحريات والظروف الاقتصادية فقط فالدول الغربية كندا أو غيرها أصبح فيها فساد أخلاقي أكبر بكثير من بلادنا بكل ما فيها من العيوب خاصةً لمن يبحث عن مكان آمن لتربية أبناءه مثلًا وبالنسبة لي أي بلد مجتمعها مسلم محافظ وبها بعض الحريات المتاحة ويصاحبها ظروف اقتصادية ملاءمة بعض الشيء هي الأقرب للمكان الذي أريد للعيش به، والأمثلة التي تحضرني الآن هي مثل عمان والكويت وقطر أو حتر تركيا كل هذه أماكن أنسب لي من بلد نظامه التعليمي ومجتمعه يفسد تربية الأبناء.

كثير يكون السبب وراء سفره مجرد التخلص من الوضع في بلده ويرى السلبيات المحيطة وينظر إلى الإيجابيات في المقابل ولكن كثير يغفل عن السلبيات في الجانب المقابل مثل التي ذكرها @islamkhaled حتى تتحطم أحلامه الوردية على صخرة الواقع. نقطة أخرى ذكرها ابن خلدون في علم الاجتماع وهي أن المغلوب مولع بثقافة الغالب ويتمنى عيش حياته

أعتقد أن المشكلة أكبر، فالكثير من المهندسين حاليا متخرجين و هم بدون عمل و هذا ما يدفعهم للعمل في أي مجال حتى لو كان عمل شاق، لكن بالتأكيد لو تفضله بين العمل هنا أو في دولة أفضل إقتصاديا سيفضل تلك الدولة بسبب المشاكل التي في الدول العربية، أو على الأقل التي في أغلبها، و في نفس الوقت الأجر يختلف بين الوظائف هنا و هناك، فربما مهندس هنا ستجد أن راتبه قريب من عامل ديليفري هناك.

بما أنني لدي معرفة شخصية بمجموعة من هؤلاء الناس، المشكلة هي ما يسمعونه من أصدقائهم المهاجرين، من عبارات مثل: "الحمدلله أننا خرجنا منها".. "هنا هتاخد حقوقك كاملة على الأقل هتتعب وتلاقي" وعبارات أخرى على نفس الشاكلة، ولا أنكر أن بعض منها صحيح من ناحية المبدأ، ولكن لو أنني لديّ وظيفة مرموقة وهدفي هو تكملة دراستي مثلًا في دولة أجنبية، فلما لا أبذل المجهود في بلدي أولًا لدراسة المعادلة أو الزمالة والنجاح فيها ثم التفكير في السفر، أو على الأقل يكون لدي تواصل مع هيئات هناك مهتمة بتخصصي ويمكنني إيجاد عمل عند الوصول، أنا هنا لا أقلل أبدًا من قيمة عامل الديلفري، ويمكن هذا أكثر ما يميز الدول الأوروبية، أن العمل عمل مهما كان نوعه وهي ثقافة بديهية هناك، ولا يوجد تفرقة بين طبيب ومهندي، في الأخير، الهدف هو الحصول على راتب لقضاء حاجتي أو لاستكمال دراستي.

وهناك نقطة اخرى وهي طالما لدي إمكانية التعلّم، فسأبحث عن اكثر المجالات المطلوبة في كندا مثلًا، وفي خلال سنة تكون لدي القدرة على إيجاد وظيفة في شركة هناك، هنا أنا ابذل محاولات حتى أحافظ على استقراري المادي والمعنوي، وعلى كل الحال تختلف الظروف بالمواقف الواقعية.