لطالما كانت العلاقة بين الفضيلة والمال شيئا محيرا للعديد من الفلاسفة من قديم الأزل. من وجهة نظركم، هل المال يجلب الشر بطبيعته، أم أنه أداة محايدة يمكن استخدامها للأغراض الجيدة والسيئة على حد سواء؟
ما هي العلاقة بين المال والفضيلة؟
العلاقة بين المال والفضيلة معقدة ومتعددة الأوجه، ولا يمكن تحديدها بسهولة. واستطيع شرح العلاقة إلا بمثال عن ذلك:
مثلا يمكن استخدام الأموال لأغراض حميدة ، مثل التبرع للأعمال الخيرية أو الاستثمار في الشركات المسؤولة اجتماعيًا. بهذه الطريقة ، يمكن اعتبار المال أداة لتعزيز الفضيلة في المجتمع.
أيضا يمكن أن يكون المال أيضًا مصدرًا للإغراء والفساد. يمكن أن يؤدي السعي وراء الثروة إلى الجشع والأنانية ، مما يتسبب في إعطاء الأفراد الأولوية لمكاسبهم المالية على رفاهية الآخرين.
لذلك فأنني أنظر أن العلاقة بين المال والفضيلة ليست علاقة فردية فحسب، بل اجتماعية أيضًا. تلعب النظم والهياكل الاقتصادية دورًا مهمًا في تشكيل توزيع الثروة والفرص ، مما يؤثر بدوره على قدرة الأفراد على التصرف بشكل فعال.
لقد ذكرني تعليقك أستاذة عفيفة بأحد المقولات الشهيرة لسقراط وهي "إذا كان الرجل الغني فخوراً بثروته، فلا ينبغي مدحه حتى يُعرف كيف يوظفها."
أعتقد من وجهة نظري أن توظيف الأموال يكون مرتبطا بشخصية مالك الأموال بشكل أساسي قبل أي شئ، فالنفس الصالحة هي التي ستسعى جاهدة لتسخير الأموال للخير، أما النفس الفاسدة فهي التي تضيع المال على المفاسد
وبالتالي أن العلاقة فردية من الدرجة الأولى
هل يمكنك ذكر بعض الأمثلة عن دور المجتمع في تلك الحالة؟
المال هو عصب الحياة ولا يمكن استمرار الحياة الا به، والفضيلة هي بمثابة الضابط للمال، من حيث طرق كسبه وطرق استخدامه، وإذا لم يحاط المال بهذه الفضيلة فهو بلا شك سيكون سببا في جلب الشر علي هذا العالم.
ومنذ أيام قلائل شاهدت مسلسلا مصريا باسم "7 أرواح" هذا المسلسل يحكي جشع الناس في طلب المال ولو علي حساب العديد من الأرواح، وبدون فضيلة نهائيا وهذا أدي بالنتيجة المحتومة وهي موت كل الأطراف ، كل هذا بسبب خلو المال من الفضيلة.
ولعل أكبر دليل علي ذلك الواقع وكفي به دليلا، لذا فمن وجهة نظري إن لم يتوج المال بالفضيلة كان سببا في جلب الشر والخراب.
المال هو عصب الحياة ولا يمكن استمرار الحياة الا به
في الواقع أخي أحمد، أنا قد أختلف بعض الشئ مع تلك العبارة، فمنذ قديك الأزل، لم يكن هناك عملة متعارف عليها أو مال. بل لدأ الأمر بالمقايضة التي تعتبر أبسط طرق التجارة في التاريخ، ثم تطور الأمر ووصلنا للقطع الذهبية والفضية، مرورا بالعملات الورقية والشيكات والبطاقات الائتمانية مسلقة الدفع وغيرها انتهاء بالعملات الرقمية المشفرة التي تعد أحدث العملات حاليا
لذلك قد يصعب تخيل عالم دون مال بمعناه الذي نعرفه لأننا لم نعش سوى في عالم بتم التعامل فيه بالمال، إنما ليس من المستحيل أن نتعامل في وقت لاحق من الزمن بأشياء أخرى أليس كذلك؟
في الحقيقة لفظ المال أعم وأشمل من هذه العملات المتعارف عليها الان، فالمقايضة قديما كانت تعد نوعا من أنواع المال لأن بدونها لن تستطيع شراء ما تحب وهذه هي وظيفة المال الأساسية أليس كذلك.
هل المال يجلب الشر بطبيعته، أم أنه أداة محايدة يمكن استخدامها للأغراض الجيدة والسيئة على حد سواء؟
المال أداة محايدة يمكن استخدامها للأغراض الجيدة والسيئة على حد سواء، إنه ليس جيدًا أو سيئًا في حد ذاته، ولكنه يعتمد على نوايا الشخص الذي يستخدمه.
المال يمكن أن يكون قوة جيدة إذا تم استخدامه لمساعدة الآخرين، ولكنه يمكن أن يكون قوة سيئة إذا تم استخدامه لتسليط السيطرة على الآخرين أو لإيذائهم.
فمثلاًيمكن استخدام المال لتمويل التعليم والرعاية الصحية ومشاريع الإغاثة الإنسانية، ومن ناحية أخرى يمكن استخدام المال للرشوة والسرقة والغش، وإيذاء الآخرين من خلال تمويل الأنشطة الإجرامية أو الدعاية الكراهية.
من وجهة نظري، المال هو أداة محايدة بحد ذاتها، وليس له طبيعة إيجابية أو سلبية ذاتية.
يعتمد الأمر على كيفية استخدامه. يمكن للمال أن يكون وسيلة لتحقيق الخير والفضيلة عندما يُستخدم بطريقة صحيحة ونزيهة، مثل دعم الأعمال الخيرية وتحسين ظروف الحياة للآخرين.
ومن ناحية أخرى، إذا تم استخدام المال بطريقة غير أخلاقية أو انتهازية، فقد يؤدي إلى الشر والأذى.
لذلك، يتوجب علينا أن نتحلى بالوعي والمسؤولية في استخدام المال، وأن نتحلى بالفضيلة والقيم الأخلاقية في أفعالنا المالية.
يمكننا استغلال الثروة بطريقة إيجابية لمساعدة الآخرين وخدمة المجتمع، وهذا سيسهم في بناء عالم أكثر إنسانية ومنصفة.
يذكرني ذلك بمحاولة الشاعر حافظ إبراهيم الربط بين مكارم الأخلاق والفضائل، وبين غيرها من الإمكانيات المادية، وذلك بقصيدته "مكارم الأخلاق"..
فَإِذَا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمُودَةً
فَقَدِ اصْطَفَاكَ مُقَسِّمُ الأَرْزَاقِ
فَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ مَالٌ، وَذَا
عِلْمٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ
وَالمَالُ إِنْ لَمْ تَدَّخِرْهُ مُحَصَّنًا
بِالعِلْمِ كَانَ نِهَايَةَ الإِمْلَاقِ
والعِلْمُ إنْ لم تَكْتَنِفْهُ شمائلٌ
تُعْلِيهِ كان مَطِيَّةَ الإخْفاقِ
لا تحسبنَّ العلْمَ ينفعُ وحْدَهُ
مـا لم يُتَوَّجْ ربُّهُ بِخَلاقِ
والفضيلة هي الخلق الطيب، والخلق هو "عادة الإرادة" فإذا اعتادت الإرادة شيئا طيبا سُميت هذه الصفة فضيلة، والإنسان الفاضل هو ذو الخلق الطيب الذي اعتاد أن يختار أن يعمل وفق ما تأمر به الأخلاق.. وبذلك فإن المال والفضيلة متكاملان؛ إذا ما قرر صاحب المال أن يوظِّف ثروته وفق ما تأمر به الأخلاق، ومتنافران إذا ما قرر العكس!.. فالأمر برُمته متعلق بالإنسان، الذي يمارس الفضيلة أو يبتعد عنها، والذي يملك المال ويوظفه كما شاء أيضا!
ومن وجهة نظرك هل الأمر يمكن أن تؤثر عوامل مثل سرعة الحصول على المال وكميته ومصدره على قرارات الفرد في كيفية إنفاق هذا المال؟ فمثلا هل الشخص الذي حصل على مليون دولار في سحب مسابقة ما دون أدنى عناء قد يتصؤف في المال مثل من تعب واجتهد لسنوات حتى استطاع جمع هذا المبلغ؟ أم أن الأمر معتمد على الشخصية فقط ولا غير؟
أم أن الأمر معتمد على الشخصية فقط ولا غير؟
لا شك أن السمات الشخصية هي العنصر الأهم، لكن ذلك لا يمنع أن عناصر مثل مصدر الأموال وطريقة كسبها قد تؤثر في طرق إنفاقها أيضا..
فمثلا، من تعب واجتهد حتى كوَّن ثروته، سيجتهد أيضا للحفاظ عليها وتنميتها، وهو ما قد يُهمله من كسب ثروته دون جهد أو بطرق غير مشروعة!
التعليقات